طلال سلمان

النظام اللبناني الفريد: من فرنسا إلى واشنطن.. مروراً ببريطانيا!

من حظ “الديمقراطية” في لبنان انها “وحيدة” على امتداد الارض العربية..

انها فريدة في بابها، لا شبيه لها ولا مثيل: تحتوي “الاقطاع السياسي” وتعيد خلقه… ديمقراطيا، فتنتج نوعاً جديداً من.. الاقطاع الديمقراطي،

تفتح باب الثروة بالرشوة والسمسرة والمناصب بالزعبرة واستغلال المال العام للمصلحة الشخصية: للرئاسة ثمنها، كما للوزارة والنيابة والادارات بحسب مردودها، وللشركات بحسب ارباحها..

قد يرى البعض أن ذلك كله من امتيازات النظام الذي تم تفصيله في العواصم البعيدة على مقاس الطوائف، كل بحسب ولائها: فكان للفرنسيين خلال دهر انتدابهم الحصة العظمى، فلما هزمت المانيا فرنسا في الحرب العالمية الثانية هرع البريطانيون لنجدة حكومة “فرنسا الحرة” بقيادة الجنرال شارل ديغول، بالثمن، مشاركتها في “القرار الليناني”..

مع انتهاء الحرب كان السيادة قد آلت إلى الاميركيين، فاكتفت بريطانيا بالتحول إلى “بيت خبرة” تبيع استشاراتها ومعرفتها الوطيدة بالمنطقة العربية إلى من يدفع الثمن.. وكانت السيادة للدولار.

اما فرنسا فقد كابرت في البداية ثم استسلمت لمنطق “الامر الواقع” مكتفية بأن تحفظ للغة الفرنسية دورها الثقافي في لبنان.

وهكذا حملت الديمقراطية بصمات الجنرال سبيرز (البريطاني) إلى جانب توقيع المفوض السامي (الفرنسي) تحت الرعاية الاميركية .

كان المستعمرون القدامى (بريطانيا وفرنسا) حريصين على “الطائفية” كقاعدة للنظام، توزع على اساسها المناصب، بدءا بالرئاسات وانتهاء بالحجاب، وفق تقاسم طوائفي اعطى الرئاسة الاولى ما يلغي ـ فعليا ـ صلاحيات الرئاستين الثانية (رئاسة المجلس) والثالثة (رئاسة الحكومة)..

اما المستعمر الجديد (الاميركي) فقد فتح الباب للجميع، من دون تمييز بين الطوائف، على قاعدة أن الكل عندي والتمييز على قاعدة الولاء.. فالدين لله واميركا للجميع.

وبرغم أن الطبقة السياسية (ومعها رجال المال والاعمال) قد غدوا جميعاً على باب واشنطن، فقد حرصت الادارة الاميركية على النظام الطائفي، بل انها دعمته مبقية لفرنسا دور المستشار لشؤون الطوائف ولبريطانيا دور “بيت الخبرة” في شؤون المنطقة برمتها.

قلب الاميركيون الآية فاعتمدوا الانظمة الغنية بالنفط والغاز، بذريعة حمايتها من “الانقلابيين” كالثوار السابقين من اهل اليسار، بل من اهل العروبة وشعارات التقدم ولو بالثورة..

كان احتواء الدول الفقيرة سهلاً، في ظل انطفاء آمال التغيير بالثورة الشعبية او حتى بالانقلاب العسكري… خصوصاً وقد بات يمكن لواشنطن أن تستخدم ثروة اغنياء العرب ضد احلام فقرائهم بالتغيير .. مع مساعدة هؤلاء الفقراء في طموحهم إلى الثورة، إذا ما عصا اثرياء النفط والغاز او فكروا بالعصيان.

ولقد لعب النظام اللبناني دوراً خطيراً عندما اكد صموده في وجه الثورة الفلسطينية حين انتقلت ـ بقضها وقضيضها ـ اليه في بداية السبعينات… بل لقد نقل اليها ـ بالعدوى ـ الكثير من امراضه، فدخلت زواريب الطوائف والمذاهب، وصادمت النظام السوري ـ القوي آنذاك ـ على ارضه، مستقوية بالتعاطف الشعبي في لبنان مع القضية المقدسة، فلسطين..

هكذا بات الجو مهيأ للاجتياح الاسرائيلي الذي سيفتح صفحة جديدة من الصراع..

ولقد خرجت قوات الاحتلال الاسرائيلي، بعد اجلاء قيادة الثورة الفلسطينية من لبنان،

ثم خرجت سوريا، جيشاً ونفوذاً من لبنان، اثر جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري..

وبقي النظام اللبناني الفريد تحيط به رعاية الدول جميعاً، غرباً وشرقاً، والعرب بأغنيائهم والفقراء، وكذلك العدو الإسرائيلي..

فمن أين للشعب المنقسم على نفسه طوائف ومذاهب تحت رعاية “الدول” على اختلافها، أن ينتصر على نظامه الفريد.. والذي يمكن اعتباره اقوى نظام في الكون؟

 

 

Exit mobile version