طلال سلمان

»النبي نووي« ووعودة »الالهية«

منذ 12 أيلول 2001، يحرص الرئيس الأميركي جورج بوش على الظهور في ثوب »النبي المسلّح« بأقوى قوة تدمير عرفها العالم عبر تاريخه الطويل، ومن هذا الموقع ينصِّب نفسه »الديّان« ومقرر مصائر البشر: من منهم يستحق جنة رضاه ومن إلى جهنم وبئس المصير، بتهم جاهزة، أما المحاكمة فيمكنها أن تنتظر.
في البداية كان العدو »تنظيم القاعدة« بقيادة أسامة بن لادن، مع إشارات ملتبسة كادت تشمل بحكم الإعدام (المعنوي السياسي) عموم العرب والمسلمين، قبل ان يتدخل »الملقّن« فيبرر الاشارة الى »الحرب الصليبية« الجديدة بأنها »زلّة لسان« رئاسية، لا أكثر!
بعد »تنظيم القاعدة« وحليفه التعيس في افغانستان (الحكم الجاهلي ممثلا بطالبان)، كان لا بد من »عدو جبّار« لإدامة الاستنفار المؤكد للهيمنة الاميركية المطلقة على الكون.
مع تحويل »الحليف« الى »رديف« وإنزال »الشريك في القرار«، وبالتالي في المنافع والمصالح إلى مرتبة »المرابع« بحصة متواضعة من فائض الربح… وكان سهلاً اختيار »النظام العراقي« لتصفية حساب قديم.
أمس، وفي خطابه السنوي الموجه الى الاميركيين عن »حالة الاتحاد« رفع »الرئيس« نفسه الى مرتبة »المخلّص« مسبغا على شعبه صفات تجعلهم فوق البشر:
»ان سجيّتي الشجاعة والرحمة اللتين نسعى لتبنيهما في أميركا تقرران مسلكنا في الخارج..
»ان الراية الاميركية تمثل اكثر من مجرد قوتنا ومصالحنا..
»اننا نساعد المصابين، ندافع عن السلام، نعطل مخططات الاشرار..
»هذه الامة قادرة على قيادة العالم..
»اننا بلد اسبغ الله عليه البركات..
»اميركا بلد قوي وشريف في استخدام قوتنا ونضحي من اجل حرية غرباء..«
هذه رسالة للعالم اجمع، اما العرب فلهم عبر العراق، التهديد والوعيد، ولهم خارج العراق سطر واحد ترد فيه اشارة الى فلسطين، مشروطة »بالأمن لاسرائيل« و»الديموقراطية« لشعبها المقتول على مدار الساعة بالاسلحة الاميركية في يدي السفاح شارون.
على انه وقد اخذته الرأفة بالعراقيين فلقد اطلق لهم الوعود سخيّة:
»سنجلب للشعب العراقي الطعام والدواء والمؤن… والحرية«!
ثم حاول طمأنتهم بعدما أرعبهم بتعداد ما يملكه النظام في بغداد من اسلحة تكفي لابادة شعوب بأسرها، فأكد لهم انه انما سيحاربهم ليحررهم:
»إن عدوكم ليس من يطوّق بلادكم بل هو عدوكم الذي يحكم بلادكم. واليوم الذي يطاح به وبنظامه من السلطة سيكون يوم تحرركم«.
من يطوق البلاد هو المنقذ، وهو المحرر، وهو المبارك، وهو القوي، الشريف، الذي يضحي من أجل حرية الغرباء، وهو القادر على قيادة العالم.
ترى لو لم يكن في أرض العراق، وما جاوره من أقطار، هذا المخزون النفطي الهائل، هل كان »قائد العالم« مستعدا للتضحية من أجل »حرية الغرباء«؟!
***
لعل العرب هم الأمة الوحيدة في العالم التي أتيح ويتاح لها أن
تتعرف على وجوه قتلتها، وأن تعرف بأية أسلحة ستباد!
أناء الليل وأطراف النهار، تعرض علينا الفضائيات وجوه رجال الموت الآتين لبناء الديموقراطية في العراق (المقتول غدا)، فتفرض علينا عقد المقارنات بينهم وبين هؤلاء الذين يبنون »الديموقراطية« التي يمنينا بها جورج بوش في فلسطين.
كل يوم »نتعرف« الى دفعات جديدة من جنود البر والبحر والجو، المسلحين بأحدث أدوات القتل المؤكد والسريع الآتين إلينا لتحريرنا!
كل يوم »نتفرج« على موتنا يطير إلينا بالأسرع من الصوت، أو »يسبح« إلينا متهاديا في بحارنا بحاملات الطائرات والمدمرات حاملات الصواريخ المرعبة في قدرتها على الاختراق والتدمير.
كل يوم »نتأمل« وجوه هؤلاء الذين يخترقون جليد الصحارى، يتحملون عواصف »الطوز« وهجمات الوحوش الضارية، ويتابعون زحفهم »الرسولي« لإنقاذ إخوانهم في الإنسانية »بالموت الرحيم« الأعظم فعالية والأسرع من »عدوكم الذي يحكم بلادكم«.
كل يوم نتأمل وجوه قتلانا، وهم يحملون على الأكتاف بلا نعوش، ويدفنون بلا مراسم في المهلة بين قذيفتين أو صاروخين، وفي المساحة الفارغة بين دبابتين تقصفان البيوت فتحولها الى شواهد على قبور المدن التي كانت مهد الرسالات ومسرى الأنبياء…
***
يستطيع »النبي المسلح« بأقوى قوة تدميرية أن يتحدث عن »حالة الاتحاد« بزهوّ، بغطرسة، بتبجّح، وان يجعل نفسه قائدا للعالم، بغير منازع أو شريك أو حليف.
تلك هي »حالة الاتحاد« في مواجهة »حالة الاختراق« الى حد الاحتراب بين العرب، وحالة الشعور بالضعة والهوان الى حد انتظار »الديموقراطية« كمنحة من جيش الاحتلال، إسرائيليا (كما في فلسطين) أو أميركيا كما في العراق، أو أميركياً إسرائيليا كما في هذين القطرين، كمقدمة لما قبلهما وبعدهما وخلفهما من أقطار كانت ذات يوم منبت الأنبياء غير المسلحين إلا بإيمانهم والرسالات الهادية للبشرية الى الرب المعبود..

Exit mobile version