طلال سلمان

المقاتل ضد العالم كله!

لأن بنيامين نتنياهو حرص على تقديم نفسه بصورة »المقاتل« ورمز »إسرائيل الجبارة التي لا تقهر« فلا بد له من »حرب« لإثبات جدارته بصورة البطل التوراتي الذي وإن وصل متأخراً فإنه سينجز ما عجز عنه المتقدمون كافة!
وها هو نتنياهو يشهر سيفه على العالم كله، مصراً على خوض حرب لا يريدها أحد، ولا تفيد منها حتى إسرائيل ذاتها التي كانت قيادتها السابقة قد حققت لها ب»السلام« الأميركي ما عجزت عن نيله بالحرب.. المشتركة؟!
منذ وصوله إلى السلطة، بالانتخاب المباشر على شخصه هذه المرة، وهو يسعى بدأب عجيب لاستيلاد حرب جديدة من رحم »العملية السلمية« التي أجهضها عامداً متعمداً وبقصد مقصود لتأكيد صورته كبطل إنقاذ إسرائيل من.. الانتصارات الخرافية التي كان حققها له سلفه الثنائي رابين بيريز.
جاء نتنياهو باسم المحاربين، وجاء بوعد الحرب،
قال للناخبين الإسرائيليين المثقلين بذكريات انتصاراتهم السهلة وغير المكلفة، إن العرب أدنى من أن يستحقوا الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإنهم كلما ضُربوا أكثر أعطوا أكثر، وإنهم يجب أن يُسحقوا سحقاً حتى تطمئن إسرائيل على مستقبلها وينصرفوا هم إلى لعق جراح الهزيمة الجديدة والندم على أنهم لم يقبلوا ما كان معروضاً عليهم، مهما كان بائساً.
وقال للإسرائيليين إن قيادتهم السابقة (محطّم العظام إسحق رابين وبيّاع الأوهام شيمون بيريز) كانت ضعيفة!! ومساومة!! وانهزامية!! فأعطت العرب ما لا يستحقون، وارتضت أن تخضع لابتزازهم (المعزّز أميركياً!!) بدلاً من أن توجه إليهم الضربة القاضية فترتاح وتريح!
وقال للإسرائيليين (والعالم بمن فيه العرب!!) إنه لا وجود للعرب كافة أو كمجموعة بل هم أشتات متنافرة متى اجتمعوا اختلفوا، وإن التضامن العربي أكذوبة، وإنه بالإمكان تسخير بعضهم لضرب البعض الآخر وكسر أضعفهم لتخويف القوي بينهم و»توظيف« أرخصهم لاستدراج المترددين!
وقال للإسرائيليين إنه سيسترد من العرب ما سبق ان »اختلسوه« في ظل الحكومة التي قدمت التجارة على القوة فوقَّعت »اتفاق أوسلو« بدل أن تبيد الفلسطينيين أو ترميهم في البحر!
نتنياهو اليوم مشتبك مع العالم كله،
وهو يوالي فتح الجبهات الحربية مع العرب، لا فرق بين مَن سبق له التوقيع مع أبطال الحرب في إسرائيل، أو امتنع وصمد محاولاً تحسين الشروط وحماية الحد الأدنى من الضمانات لمستقبله فوق أرضه!
مع سوريا لا خيار إلا الحرب!
ولبنان، في نظره، أرض ميدان وجبهة حرب مفتوحة، وليس اقتراحه المعنوَن »لبنان أولاً« إلا رصاصة سياسة تمهّد أو تبرّر أو توفّر الذريعة للطائرات والصواريخ والمدافع والدبابات كي تقدم مضمونه الفعلي وعلى الجبهتين اللبنانية والسورية.
أما مع الفلسطينيين فالحرب حربان: إذلال يومي للإنسان بغير حد يتجاوز السياسة الى التحقير الشخصي والتجويع والاعتقال الجماعي، واجتياح على مدار الساعة للأرض بحيث يخرجهم منها او يخرجها منهم ليقيم فوقها المزيد من المستوطنات، أي من القلاع الحربية الجديدة التي ستتمدد غداً لتطرد من تبقى منهم فوق ارضهم بوصفهم غزاة وغاصبين يتمتعون بحقوق غيرهم، مما يشكل خرقاً للمساواة وانتهاكاً لحقوق الانسان!
وها قد جاء الدور على مصر، فتوالت التهديدات والإنذارات لمجرد ان جيشها اجرى مناورة ليستكشف امكاناته في حماية نفسه والناس من مخاطر السلاح النووي الاسرائيلي!
لا اتفاق كمب ديفيد الموقع قبل سبعة عشر عاماً يعصم مصر ويحميها من احتمالات الحرب الاسرائيلية،
ولا اتفاق اوسلو البائس الموقع قبل سنتين وبالشروط الاسرائيلية يحمي الفلسطينيين من مخاطر الإبادة، ارضاً وشعباً (أما سلطة الشرطة فمتروكة لمصيرها التعيس).
لا اتفاقات الإذعان تمنع الحرب،
ولا التفاوض وبشروط مدريد (التي لا يمكن اعتبارها نصراً عربياً بأي حال) يفتح »مخرجاً« من حرب نتنياهو التي يصورها الآن قدراً لا مفر منه!
كيف السبيل اذاً الى التعامل مع هذا المهووس بالحرب والآتي خارج زمانها وخارج السياسة وخارج منطق النظام العالمي الجديد نفسه؟!
قد يسجل التاريخ لنتنياهو انه قد حقق فعلاً مجموعة من الإنجازات الخارقة،
اولها انه قد فضَّ الإجماع العالمي من حول اسرائيل، والذي عبّر عن نفسه مرتين في اقل من ستة شهور بالحشد الفخم من الرؤساء الذي هب لتطمينها وتأمينها وحمايتها من مخاطر.. السلام!
وثانيها انه اعاد توحيد الموقف العربي، او انه اعاد الى العرب الوعي الذي كان قد اغرقه المهرولون منهم في اوهام الشرق الاوسط الجديد التي اطلقها الثنائي رابين بيريز.
وثالثها انه كشف حقيقة »المجتمع الاسرائيلي« الذي لا يعيش إلا بالحرب وعليها، والذي لا بد له من صدمة عنيفة لكي ينزل من الاساطير التوراتية الى الارض بناسها وتاريخها وحقائقها الثابتة.
وحتى إشعار آخر ستبقى واشنطن هي المسؤولة عن الحرب الاسرائيلية التي تتجمع غيومها الكثيفة في سمائنا الآن، كما عن مشروع السلام الاميركي الذي يغتاله »المقاتل الاسرائيلي الآتي متأخراً عن زمانه« من دون ان تبذل الإدارة الاميركية الجهد الكافي لحمايته وحماية المستفيدين منه، وفي الطليعة واشنطن وهذه الإدارة الركيكة بالذات.

Exit mobile version