طلال سلمان

المحارب دائما و”لبنان أولا”..

لكل زعيم اسرائيلي أسلوبه في الحرب،
وها هو بنيامين نتنياهو يستأنف الحرب المفتوحة دائمù، والتي ستبقى مفتوحة برغم الاتفاقات والتواقيع السابقة على المفوضات، بأسلوبه هو المتميز والمختلف تمامù عن ذاك الذي اعتمده شمعون بيريز ولو بكثير من الارتباك والغموض والوهم الذي يصاحب احلام اليقظة.
وبين اسلحة الحرب المناورات التي بقدر ما تكون خبيثة ومتقنة الحبكة ومباغتة وتجيء من حيث لا يُتوقع، تحقق نجاحù قد يقتصر على كسب الوقت، وقد يمتد ليحوّر طبيعة الموضوع المطروح، وقد تنقل الحرب الى »أرض العدو« فتجعلها اقتتالاً داخليù، او قد تتبخر وتنتهي ركامù من الكلمات المحطومة بعد عجزها عن احداث الاختراق المطلوب.
ولا بد من الاعتراف بأن نتنياهو قد باشر حربه بهجمة مفاجئة في توقيتها كما في الجبهة التي اختارها، والتي كانت منسية ومهملة وخارج البحث، بتوافق او بتسليم ضمني من الأطراف المعنية.
لقد شن هجومه الجديد على المفاوض العربي، الوحيد: سوريا، باعتبار ان المفاوضات مع لبنان مجمدة منذ البداية، اخذù بمنطق اميركي سرعان ما عُمّم وسلمت به اسرائيل ذاتها، خلاصته ان المهم الانتهاء من المسار السوري لأن ما ينطبق عليه ينطبق على لبنان آليù..
ولقد استخدم في مناورته كلمة لها وقع السحر لبنانيù هي »الانسحاب«،
لكن سحر الكلمة لا يحجب ما قبلها ولا ما بعدها ولا الشروط التي لم يكشف عنها بطل المبادرة الهجومية الجديدة.
كذلك فهو احسن اختيار التوقيت: في الوقت التفاوضي الميت، ولخلق بديل وهمي للموضوع الأصلي، اي استكمال المفاوضات مع الفلسطينيين، وقبلها الانسحاب من الخليل، وفك حصار التجويع والإذلال عن الضفة الغربية وقطاع غزة.
»لبنان أولاً«، ولكن عن طريق سوريا، ومع سوريا، وعلى حساب لبنان وسوريا معù
والواضح أن نتنياهو قد بدأ »الحرب« من حيث يجب أن يبدأها: من واشنطن: أشعلها في الكونغرس، وفي البنتاغون، وفي المخابرات المركزية، لتحاصر البيت الأبيض وتوفر له العذر كي يخرج من تردده ليشهر على سوريا، كالعادة، سيف الاتهام بالارهاب،
ثم ذهب إلى القاهرة يحاول تحييدها، أو أقله تخفيف ضغطها عليه، مبدلاً في عباراته والكلمات من دون أن يبدل جوهر موقفه الاستفزازي والمستهين بالعرب جميعù.
بعد القاهرة، ولأجل إيهامها بأنه قد »تنازل« فعلاً، أوفد وزير خارجيته للقاء مع عرفات، المحاصر مع سلطته والفلسطينيين جميعù، على »المعبر«، فإذا به يعود إليه بشهادة حسن سلوك لم يكن يحلم به، بهذه السرعة وبهذا الثمن البخس.
وبعد القاهرة، ومتسلحù بقبوله فيها أوفد مستشاره الخاص ليعيد وصل ما انقطع مع قطر وعُمان..
وبهدوء مثير أطلق مناورته المتقنة في حضور الموفد الأميركي، الذي كان من قبل قد رفض استقباله، دنيس روس، لكي يتولى تسويق البضاعة الفاسدة، بينما لم يعرضها جديù على وزير خارجية فرنسا الذي كان عنده قبل ساعات، ربما لأنه يعرف أنه كان سيعتذر عن عدم القيام بمثل هذه المهمة النظيفة.
انه نتنياهو »جديد«، إذù، وهو متقن التمويه بقناع الراغب في استكمال السعي الى السلام، بحيث يمكنه الذهاب الى الحرب مع سوريا، وسط بلبلة »عربية«، واضطراب يخالطه الخوف في لبنان الذي ينظر الى وصول نتنياهو كثمرة »لعناقيد الغضب« التي بلغت إحدى محطاتها في مذبحة قانا، والتي سيكون لها ما بعدها في »السياسة الحربية« ذاتها.
والحرب الجديدة بدأت ولكنها قد تمتد شهورù تتأكد خلالها الصورة الحقيقية لنتنياهو، كذلك النتائج الفعلية لقمة لمّ الشمل في القاهرة الذاهبة الآن، ومرة جديدة، إلى واشنطن المشغولة بحروبها الانتخابية.

Exit mobile version