طلال سلمان

الكورونا.. في منتصف الليل

كتب نصري الصايغ:

انه منتصف الليل، في وضح النهار. منتصف الليل هذا طويل. لا وقت لرحيله. إنسَ أنك كائن طبيعي. الافضل أن تحترس من الجنون. جنونك هو أن لا تخاف. خوفك دواؤك. منذ الآن، منذ ما قبل الآن، انت لم تعد أنت. إن لم تتغَّير مُت.

انه منتصف الليل. صوِّب نظرك إلى آخر النفق. الضوء قادم من هناك لكنه لن يأتي قبل أن تصارع وتصرع العتمة. هذه الحياة اليوم، لعنة. الموت على رؤوس اصابعنا. قريب من فمنا. على رموش عيوننا. لذا، ابتعد عنك بمقدار ما تبتعد عنه، كائنا من كان.

انه منتصف الليل. برهن أنك تحب الحياة. عش بفرح انتمائك إلى شرط الحياة الصعب والخطير والقاتل. اننا نعيش في زمن توحدت فيه الكرة الارضية بمرضها. لذا، علينا أن نفتش عن الحب. أن نبذله، أن نعطيه، أن نغبطه، أن نوفر له الهواء النقي. انه لصعب أن يتعايشا معاً، الحب والموت. العافية والمرض، الانا وأنت. كل الخطر إن كنا معاً. فلننفصل. خلاصنا الصعب يتطلب الانفصال. فلننفصل.

جاء منتصف الليل على حين غفلة. ليل قبيح جداً. لا يعترف بصبح وشفق واناس من طينة الارض. ليل يلغي كلامك الماضي كله، ويقذفك إلى السؤال الواحد، تكرره: تسمع الجواب، ولا تشفى. الليل ما زال في أوله. ربض على كل العواصم والقارات. صار الآمر الناهي: انها ديكتاتورية الكورونا. انه عصر اعلان هشاشة الانسان، امام مجهول يشغل العالم.

لم يكن أحد مستعداً. ظن البعض أن نجاته مضمونة. وأن الموت حظ الفقراء. وأن القلق حصة العامة، وأن “الطاعون” الحديث لا يصيب الا الضعفاء: دولاً وشعوبا وبشراً واطفالاً… انكسر الكبار. كان صوت انكسارهم مرعباً. هشاشة الاقوياء امثولة.

من فضائل هذا الليل القاتل، انه ساوانا بالإنسانية. لكن السياسات لم تتعلم بعد أن الانسانية ليست مناسبة تمر وننساها. الانسانية دين البشرية الموحد. انها الدين الوحيد بقيم جامعة. البشرية انصرفت إلى حروبها: الاقوياء ضد الضعفاء. الاغنياء ضد الفقراء. الكبار ضد الصغار. الاديان ضد الاديان. المذاهب ضد المذاهب. الاوليغارشية ضد البروليتاريا. اليمين ضد اليسار، ال…ضد ال.. حتى نهاية الحروب.

عندنا، منتصف الليل مقيم منذ قرن. دم اسود يزين أساور السياسات وانظمة العدوان وحكومات الاستبداد وعصابات المال لكن هذه المرة وضعت الجميع في النفق المعتم. ويا لبؤس الناس. النفق المعتم لا يتسع للجميع في سباقهم إلى آخر النفق. لذا. أغلقت الدول حدودها. تريد أن تحرس بلادها، من موت قادم من بلاد أخرى. لم تنجح. البلاد كلها متشابهة تقريباً. والبلاد كلها، غير مستعدة لليل الوباء المخيف.

نحن في لبنان، نعيش حالة استثنائية. ندخل في نفق متشعب ولكنه مقفل. لا بصيص ضوء. من زمان وانظمتنا وقادتنا واحزابنا وطوائفنا ومذاهبنا وسياساتنا، تشد الخناق على اعناقنا. عشنا سنوات وعقوداً بلا افق. بلى. كنا نرسم افقاً دائماً، وكانت السلطات الاستبدادية المستهترة والناهبة، تسد الافق بسهولة نداء: “يا غيرة الدين”، “يا لمكانة المذاهب”، “يا ضيعان الزعامة”… استحق ما عندنا، سد علينا الطريق للخروج من محنة الانفاق المتناسلة. هؤلاء المجرمون جداً، جداً جداً. “مسؤولون” اليوم عن أن يكونوا حراس سلامتنا من الكورونا، وليس في جعبة الدولة، فلس لمواجهة النقص، في كل شيء تقريبا، دولة فاشلة من زمان. عمرت على فشلها تمثالاً للفشل لا يصيبه تعب او وهن، ويدر مالاً وفيراً.

لن يتعظ اللبنانيون الممارسون لهويتهم اللصوصية، راقبوا الرأسماليين.. راقبوا المصارف. تابعوا رجال السياسة… والله الف عيب.

الكورونا قد يقتل منا الكثير، ولكنه سيظل مقصِّراً في منافسة هذه السلطات المتوارثة التي قتلت مستقبلنا وحاضرنا وماضينا . لبنان المتسول الآن، ليس فقيراً ابداً. لقد تم تشليحه رسمياً مقومات حياته كآدمي. قبل الكورونا، كنا مصابين بأدهى. وما نزال.

ومع ذلك. الزمن اليوم ليس زمن حساب. غداً. عندما ييأس منتصف الليل من ارادتنا، سنعود إلى جراحنا، نداويها بالأمل والعمل. يجب الا نغفر لهم مسارهم الذي اوصلنا إلى الافلاس والفاقة والعجز ومواجهة الكورونا باللحم الحي.

الساعة الآن، ليست للحساب.

لكننا… لن ننسى. لن نعكر عليكم تعثركم وتلعثمكم.

ولكن، الحساب آتٍ، بعد هزيمة الكورونا.

انتظرونا… إننا قادمون حتماً. وسيبدأ الحساب من بوابة الصحة، لنسألكم، ماذا فعلتم؟ لماذا بنيتم مستشفيات حكومية وتركتموها جدرانا وغرفا فارغة؟ لماذا استبدلتم مشافي الدولة، أي مشافي الناس، لصالح مستشفيات الكارتيلات المالية والمذهبية.

سنحاسبكم…

لقد برهنتم دائماً، أن لا شفاء لكم ابداً.

انتظرونا اذن… يا أقبح مرض سياسي عرفناه في تاريخنا اللبناني التاعس.

Exit mobile version