طلال سلمان

القمم على الواقف في الرياض: قراءة أولية لأحوال من احتشد فيها

غطت دماء الأطفال الذاهبين إلى الصلاة في دير الأنبا صموئيل، في خراج مدينة المنيا بمصر، على أخبار القمم الثلاث التي انعقدت في الرياض احتفاءً “بالزيارة الأولى إلى الخارج التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب”، والتي خص بها السعودية فاجتمع للحفاوة به الملوك والرؤساء والأمراء العرب والمسلمين، في أول لقاء من نوعه، منذ زمن الأحلاف (حلف بغداد، حلف الدفاع المشترك، مشروع ايزنهاور، مشروع الشرق الأوسط الكبير، إلخ)..

وبينما لم تنتبه هذه القمم الثلاث إلى “اضراب الأمعاء الخاوية” الذي أعلنه المعتقلون الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، وامتد لأكثر من أربعين يوماً.. فإن هذا الاضراب لم يلفت رئيس السلطة التي لا سلطة لها في فلسطين المحتلة وهو يستقبل “ضيفه الكبير الرئيس الأميركي” الذي عبر إليه في بيت لحم من حيث لا يستطيع الفلسطينيون أن يعبروا.. ومن دون أن ينتبه أو ينبه إلى صيام المعتقلين.

.. فإن البيان الختامي الذي أذيع بعد مغادرة المشاركين في القمم الثلاث ومن دون أن يطلعوا عليه (كما أكد الوفد اللبناني) قد تسبب في تفجير خلاف كامن بين قطر والمملكة السعودية، ومعها الإمارات، قيل أن بين أسبابه استضافة الإمارة المن غاز قيادات الأخوان المسلمين، في حين اندفعت الدوحة تدافع عن الوجود الشرعي لقاعدة العيديد الأميركية على الحد الفاصل بينها وبين السعودية.

مع ذلك فقد وجد الرئيس الأميركي فائضاً في الوقت خلال زيارته القدس المحتلة لكي يزور “البراق” أو “حائط المبكى” (كما يسميه اليهود)، ويدس وريقة تمنيات في شق بين حجارته وهو يرتدي القلنسوة اليهودية.. في حين تمنى رئيس حكومة العدو الإسرائيلي إمامه أن يستطيع القيام برحلة معاكسة لرحلة ترامب تحمله من القدس المحتلة إلى الرياض “توطيداً للسلام وإنهاءً لعصر العداء بين أهالي الأراضي المقدسة”..

بالمقابل فإن الرئيس السوداني عمر البشير قد وجد اللحظة مناسبة لإثارة مسألة الخلاف مع مصر حول حلايب..

كذلك فإن هدر دماء اليمنيين على أيدي أشقائهم السعوديين في الحرب العبثية التي تشن عليهم قد تواصل، فأضيفت نكبة أخرى إلى نكبات هذا الشعب العريق والمساهم بدور غير منكور في نشر راية الإسلام في الكون..

بمعزل عن هذا كله، فإن “مكرمة” الرئيس الأميركي ترامب قد كلفت السعودية ثمناً أسطورياً تجاوز الأربعمائة مليار دولار… وهو ثمن لم يسبق لأية دولة أن دفعته لزيارة استبقها ترامب بتوجيه إهانات جارحة ومباشرة إلى مضيفيه من “البدو” الذين خرقوا التقاليد والبروتوكول الصارم وهم يمدون أياديهم الملكية المطهرة لمصافحة زوجة الرئيس الأميركي وابنته اليهودية.

وبالتأكيد فإن جماهير الفقراء التي تضيق بها جنبات الوطن العربي الكبير (بما في ذلك المملكة المذهبة) قد استقبلت هذا السخاء السعودي المبالغ به بكثير من الدهشة وسويداء الحزن..

هذا في معطيات “الصورة المبهرة” بالذهب المنثور فوقها..

أما في النتائج الفعلية لهذه القمم فإن الجدل يشتد بين من يعتبرها “بداية عصر أميركي جديد”، وبين من يرى فيها نجاحاً مجانياً للرئيس الأميركي كان بحاجة إليه لمواجهة الحملات العنيفة التي تتناوله بشخصه وعائلته، كما تشهر بسياساته المرتجلة وتغريداته التي غالباً ما تكون جارحة وإن شغلت خصومه لبعض الوقت..

ولعل الوجه الآخر لهذا “النجاح العربي” لترامب قد تجلى واضحاً في لقاءاته مع القيادات الأوروبية والتي وصلت إلى حد الاشتباك العلني مع المستشارة الألمانية، والفشل في حل الأزمة بين أوروبا وتركيا وغيرها كثير.

*****

ما يعنينا من جولة ترامب الأولى خارج بلاده تأثيرها على مجريات الأمور في منطقتنا وأولى ما يطالعنا، هنا، أن الرئيس الأميركي لا يملك حلاً سحرياً للمسألة الفلسطينية، والأفكار الأولية التي طرحها قديمة ومستهلكة ولا تضيف جديداً.

كذلك فمن المنطقي أن نفترض أنه لا يملك حلاً لمسألة الحرب في سوريا وعليها، ولعله يترك الأمر لتفاهم مفترض مع الرئيس الروسي بوتين لن يكون العرب الذين التقاهم (وبعضهم متورط في هذه الحرب) دور فيه..

ومن باب أولى أن يفترض ترامب أن مسألة العراق تتصل بالصراع مع إيران التي استنفر أهل القمة ضدها، مع التأكيد أن لا شأن لعرب القمة فيها..

بالمقابل فإن السعودية (ومعها الإمارات) تعتبر أن قضية الحرب على اليمن “مسألة أمن قومي” لا شأن للآخرين، عرباً وغير عرب فيها، حتى لو فشلت الوساطة الدولية التي يقودها الموفد الاممي الموريتاني الاصل، بعد أن امتنعت صنعاء عن استقبال مساعيه العبثية بينما الكوليرا تلتهم أهل اليمن، وأطفالهم على وجه الخصوص.. من دون أن يتوقف الطيران الحربي الشقيق عن اغاراته على هذا الشعب المفقر والمحاصر بالمرض وقنابل الموت.

ولم يظهر عن قمم الرياض، التي أشرك فيها الرئيس اليمني المقيم في السعودية لاجئاً، أن البحث قد تطرق إلى الحرب على اليمن أو أنها كانت معنية بإيجاد حل لهذه المجزرة المريعة، اقله تحت العنوان الإنساني وبعيداً عن السياسة..

على هذا فإن القضايا الحيوية التي تهم العرب، لأنها تؤثر على حياتهم وليس فقط على أنظمتهم، لم تكن على جدول أعمال ترامب والترتيبات التي أعدت على عجل لعقد القمم الثلاث والتي أهم ما ظهر من نتائجها تنصل لبنان من بيانها الختامي، والازمة التي انفجرت بين قطر والمضيف السعودي، والمزيد من التعقيدات في قضية الحرب على اليمن، مع استبعاد النقاش الجدي حول الحرب على سوريا وفيها لأن من شانه أن يحدث انقساماً في الموقف بين المضيف وبعض ضيوفه.

ولا يحاول هذا الاستنتاج التقليل من خطورة نتائج هذه الزيارة على الوضع العربي المتهالك، ولكن القصد أن الأوضاع العربية اكثر تعقيداً من ان تحلها “قمة على الواقف”.. خصوصاً وأن الحد الفاصل بين أزمات الداخل في العديد من الأقطار العربية وبين المطالب العربية من العهد الأميركي الجديد والشروط التي يفرضها بالمقابل واسع جداً ولا مجال لتوحيد المنظور، واستطراداً وسائل العلاج.

هذا بغير أن ننسى أن الإدارة الأميركية الجديدة مأزومة في الداخل، و”معارضاتها” عنيفة، وقد أجبرتها على “إقالة” بعض كبار المستشارين في البيت الأبيض، وربما ستضطرها إلى إقالة آخرين..

ولن تغطي المليارات العربية التي منحت لترامب بسخاء لم يسبق له نظير، أخطاءه في الداخل، ولا هي ستلغي معارضته العنيفة التي سبقته إلى البيت الأبيض، وما تزال تهدده بالمساءلة والحساب، اثر كل قرار، أو تصرف مرتجل أو عشوائي..

فليس ترامب ملكاً عربياً، أو حتى أميراً، يقرر لشعبه ما يشاء متى يشاء بعكس مضيفيه الذين يعتبر كل واحد منهم أنه القضاء والقدر، الآمر الناهي، ولا تقبل قراراته المراجعة أو حق النقض..

… وهذه هي مشكلات الدول العربية، ومن ضمنها أزماتها الاقتصادية والأمنية، تتوالى فصولاً، وهي خارج اهتمامات هذه القمة كما القمم العربية وأية قمة أخرى..

والحلول في الداخل، دائماً، وليس في الخارج.

.. ويبقى سؤال محض ويبعث على القلق:

كيف ولماذا أصدرت السفارة الأميركية تحذيرها إلى رعاياها في مصر، عشية التفجير الإرهابي على طريق دير الانبا صموئيل على الطريق إلى المنيا؟

وهل للسفارة الأميركية في القاهرة أن تعرف مسبقاً بالتفجيرات فتنبه إليها .. قبل المعنيين بالأمر؟

ينشر بالتزامن مع جريدة الشروق

Exit mobile version