طلال سلمان

القمة الضرورة والمستحيلة!

القمة العربية قرار أميركي في مبررات انعقادها كما في جدية مقرراتها ومدى إلزامها للمشاركين فيها،
هذا أمر واقع منذ أمد بعيد، والعرب بأكثريتهم الساحقة ملتزمون بآداب »الحليف« وانضباط »النصير«..
فكيف يمكن أن تعقد قمة عربية رداً على أو اعتراضاً ولو ضمنياً على حرب أميركية ضد العراق، بأطفاله ونسائه وشيوخه ومستشفياته ومدارسه وجسوره وشبكة الكهرباء ووسائل الاتصال فيه جميعاً؟!
أو كيف يمكن عقدها دعماً للبنان في مقاومته للاحتلال الإسرائيلي والاعتداءات اليومية التي تفتك بالأطفال والنساء والبيوت والمحاصيل وجنى العمر؟!
أو دعماً لسوريا في صمودها من أجل حفظ الحد الأدنى من حقوقها في أرضها؟!
أو دعماً لليبيا في معركتها ضد الحصار المفروض عليها؟
أو دعماً للسودان المحاصر منذ دهر وضحية الغارات الجوية الأميركية التي دمرت مصنع الدواء فيه؟
أو كمحاولة لمساعدة الجزائر في مواجهة الفتنة التي تعصف بها وتفتك بشعبها فتكاً ذريعاً وتدمر مقومات الدولة الحديثة النشأة فيها؟!
و»القمة«، بالبداهة، ضرورة عربية ملحة، فإن هي لم تعقد كمحاولة جادة وجماعية لوقف الانهيار الذي يتهددهم جميعا، فمتى تعقد إذن؟!
إنها أكثر ما يحتاجه العرب، أمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد،
لكن القمة الضرورة مستحيلة!
وفي ظل تعذر انعقادها فإن اللقاءات على مستوى أدنى لا تلبي الاحتياج لأنها معطلة القرار، سلفا، هذا إذا أمكن »التوافق« عليه،
وهكذا فإن العرب يفتقدون أسباب ترابطهم وتضامنهم وهو ما يشكل حماية لحياتهم.
إلى ما قبل حين، كانت إسرائيل باختراقاتها العربية، أو بواسطة »عربها« قادرة على تعطيل أي لقاء عربي، لأنه معرّض لأن يتحول إلى مصادمات لا يفيد منها إلا إسرائيل وأصحاب الاتفاقات المنفردة معها،
أما الآن فإن واشنطن هي »الآمر بالمنع«،
وما انعقدت آخر قمة عربية، قبل ثلاثين شهرا، إلا بسبب تعارض المواقف (آنذاك) بين واشنطن وتل أبيب بعد تولي بنيامين نتنياهو رئاسة حكومة التطرف في إسرائيل،
ومع أن تلك القمة قد خفضت سقف »العقوبات« على من يهجر أهله مهرولاً إلى إسرائيل، فإنها سلّمت بالقائم من الاتفاقات المنفردة، وتبنت الموقف الأميركي من »قضية العرب المركزية«: فلسطين!
أما اليوم فإن المطالبة، مجرد المطالبة، بالقمة أكثر من إحراج وأقل قليلا من عدوان مكشوف، في نظر بعض الحكام العرب.
وبعدما كانت الكويت وحدها هي التي ترفع صوتها بالاعتراض على أي لقاء يحتمل أن يشارك فيه العراق، فإن الضغط الأميركي قد أحدث في ما يبدو تحولاً ملفتاً في الموقف السعودي، أساسا، وفي مجمل المواقف الخليجية بالتالي.
ولقد تبدت آثار الضغط الأميركي واضحة في قمة مجلس التعاون الخليجي في أبو ظبي مما أجبر رئيس دولة الامارات على سحب دعوته الملحة والمبررة عاطفيا الى »المصالحة العربية«.
ان واشنطن تواصل حربها على العراق.. بالعرب!
بل انها عبر العراق وبذريعة صدام حسين تستنزف العرب جميعا، سياسيا وماليا واقتصاديا وعسكريا، وتكاد تحولهم الى جسم مشلول، أو الى كتلة معدومة الوزن!
إنها تضعف كل دولة على حدة، ثم تضعفهم بمجموعهم، فتبتزهم في ثرواتهم، وتشل إرادتهم، وتقيم بين كل عربي والآخر حاجزا، تارة بالتخويف بالعراق وتارة أخرى بتخويفه بما جرى للعراق نتيجة »عصيانه« ومحاولته »التمرد« على شروط حصار التجويع الجماعي حتى الموت.
لقد أجبر قرار »السيد الأميركي« جامعة الدول العربية على »إرجاء« اجتماعها الذي كان مقررا على مستوى وزراء الخارجية،
.. وبدلاً منه »انفردت« بدول مجلس التعاون الخليجي، الذين تلاقوا في ظل سيفها المصلت، والذي يمتد »شبحه« فوق المنطقة برمتها، براً وبحراً وجواً.
بل هي أحدثت »فتنة« بين الدولتين المتفاهمتين جدا، مصر والسعودية، ربما لتبرير »نسف« اللقاء على مستوى الوزراء الذي قد »يورط« الجميع في اتفاق (ولو مبدئي) للقاء على مستوى القمة!
.. ومع استحالة »القمة« سيواصل العرب تدهورهم في هاوية التشتت والانقسام التي بلا قعر،
وتستطيع إسرائيل أن تمارس ترفها الديموقراطي في ظل هدوء عربي شامل يكاد يشبه الموت!

Exit mobile version