طلال سلمان

الفساد الحاكم

لم يعد الفساد تهمة. الفساد “مهنة الاكابر”. لا عيب في أن يكون النافذ او الوجيه او القائد او الزعيم او المسؤول فاسداً. الفساد من شرط الارتقاء في الوظيفة والمرتبة والمسؤولية.
أن تقول للفاسد، أنك فاسد، لا يعني له ذلك تهمة. يظن أنك تمدحه. الفساد، مهنة سياسية ـ طائفية ـ مذهبية. تجده في الافعال ولا تتجرأ عليه الاقوال. لذا الحياة السياسية في بلد كلبنان، مرهونة باقتسام الفساد وتوزيعه على اصحاب الشأن وأولي الامر.
الدولة اللبنانية في سوق المديونية، بلغت مرتبة متقدمة، وهي واقفة على حافة الافلاس. الضرائب الثقيلة لا توازي ما يتم نهبه من صناديق الدولة. العجز بلغ الخطورة القصوى. ديون لبنان اسوأ من ديون اليونان. المصارف وضعت يدها على السلطة وعلى الدولة كذلك. يكاد البلد برمته يقع في العجز، والليرة تصبح يتيمة، بلا مؤونة ولا وزن … عندها يعم الخراب ووداعاً للاستقرار.
لم يشهد لبنان من قبل، طبقة سياسية بهذا الجشع. لم تشهد المؤسسات اهتراء يوازي ما ينخر الدولة في مرافقها كافة. البيئة المالية اسوأ من احوال البيئة عندما تحتل النفايات الازقة والشوارع، ومع ذلك كله، “الطبقة” مستمرة في السلطة، بمقدار ما هي متجذرة في الفساد.
مراراً كتبنا: لبنان حظي، منذ البداية، بشرعية رعاية الفساد، والتدرب عليه. فهو فساد منظم، وليس نظاماً فاسد. الفساد هو الاصل، والنظام هو الفرع. النظام، كل النظام، في مناحيه كافة، سياسة وعدلاً واقتصاداً وتربية وصحة وبيئة وتجارة وجمارك و… مؤسس على الفساد. لا عقيدة او مبدأ او دين يرقى إلى المرتبة التي يحتلها الفساد والفاسدون. انه الفساد المقدس.
انما، هذه المرة، يبدو أن نظام الفساد مأزوم. البحبوحة الخليجية تقلصت، المداخيل “الشرعية” خفّت. الحروب تأكل موازنات دول كبيرة وصغيرة في المنطقة. الشح اصاب التدفقات المالية.
ـ ولبنان ـ بلد ينتج مهاجرين إلى بلاد الله الواسعة، يساهمون في تغذية الاسواق الداخلية وفي سيولة بضائعها. الزراعة في لبنان مأزومة. الصناعة لا يعول عليها، السياحة بانتظار العفو الخليجي، وعليه، فان المفسدين في الارض اللبنانية، مصرون على تكبيد الفقراء ضرائب باهظة على مداخيلهم الشحيحة.
لا خلاص من مقامات الفاسدين في المدى المنظور، حتى ولو انهار الهيكل على اصحابه. رّواد الفساد يداومون على الكسب الحرام، في الظروف على انواعها. في البحبوحة لهم حصة وازنة، في الشح يتطرفون في تأكيد الحقوق المكتسبة، وإذا انهار الهيكل، تصرفوا كأغنياء حرب.
ابتلي لبنان بالفساد، لارتباط مؤسساته كلها، بالتمييز الطائفي. والطائفية والفساد، وجهان لصفقة واحدة: السياسة والمال، توأمان. وتقدر الحالات التي يتصرف فيها قادة سياسيون، كالنساك الاطهار. من مثل الرئيس سليم الحص، نادر الوجود. هؤلاء ذخيرة اخلاقية.
من هم الفاسدون؟
احصاؤهم مضنٍ لكثرتهم. انما، من سيمائهم تعرفونهم. يكفي أن يعن على بال المواطن سؤال: “من أين لكم هذا؟” حتى يتعرف على ما جنته ايديهم.
الغريب، ان الكثير من الناس، يسأل عن قانون الانتخاب ويتحمس لشكله ومضمونه. عجيب أن يذهب غداً، لينتخب كل من لم يرد اسمه في هذه المقالة، ولكن اسماءهم على كل شفة ولسان.
بئس هذا الزمن!

Exit mobile version