طلال سلمان

الفرق بين أن تعرف أخبارك أو تسمعها؟

في الماضي، ايام كان للعرب مكانة ودور، كان واحدنا يسأل الآخر:
هل عرفت الأخبار؟! لقد قررت القاهرة او دمشق او بغداد او الجزائر كذا وكذا!!
اما اليوم فان واحدنا حين يحاول الاستفسار عن امر فان صديقه يرد عليه بعفوية مثيرة: والله، لقد سمعت ذلك في الأخبار… وغالبا ما يضيف الصديق محدداً الاذاعة او الوكالة او الفضائية التي سمع منها الخبر، وهي غالبا ما تكون اجنبية او ناطقة بالعربية وهويتها قيد الدرس.
لم يعد العرب صنّاع اخبارهم. باتوا جمهورا من المستمعين الى ما يقرر لهم، في السياسة كما في الاقتصاد، وفي الرياضيات كما في الرياضة..
اما قضاياهم فتحولت الى تفاصيل، والمزيد من التفاصيل، وتفصيلات لتفاصيل التفاصيل..
على سبيل المثال لا الحصر: اسرائيل اقوى دولة في المنطقة. هذا الامر حقيقة مقررة غير قابلة للنقاش. ترسانتها النووية حق مطلق. مستعمراتها امر واقع تحميه القوة وبالتالي لا سبيل الى تغييره. بناء الجدار العنصري الذي يفصل فلسطين عن اهلها ويقطع اواصر الأسر، ويجرف اشجار الزيتون عن الاجيال الذين توالوا على غرسها منذ مئات السنين، هذا امر واقع لا سبيل الى منعه او وقفه حتى لو كانت النتيجة اغتيالا لشعب وتدميرا لوطن وقضاء على الشجرة المقدسة التي أنار زيتها ليل القهر بالثورات.
القرار اسرائيلي والخبر بالتالي اسرائيلي، والناقل اجنبي، ولا يتبقى على المذيع »العربي« غير ان يزف الينا البشرى السعيدة محددا ارقام الذين اغتيلوا من الجو أو قتلوا في بيوتهم أو في الشارع أو أولئك الذين سلبت منهم اراضيهم واعداد التلامذة الذين غدوا بلا مدارس، وان يصف لنا طوابير الذين غدوا بلا مأوى بعدما دمر الطيران الحربي للعدو الاسرائيلي بيوتهم من اجل اقامة »الشريط الحدودي« العازل.
لاننا نعجز عن صنع الاخبار، فاننا نغرق في التفاصيل التي تعجز عن حمل جوهر القضية..
مواكب تشييع الشهداء تترى امام عيوننا في فلسطين أساسا، والآن في العراق تحت الاحتلال الاميركي. نتأمل المواكب التي يختلط فيها العويل بصرخات الثأر، قد نظهر شيئا من الوجع، او التعاطف، ولكننا مع الجنازة العاشرة المئة الألف نفقد الاحساس بدلالة الحدث ومعناه، وننصرف الى ما نفترضه »شؤوننا« كأن ذلك الذي ادمى افئدتنا ليس من شؤوننا.
ان بعضنا غدا متفرجا على مأساة البعض الآخر،
وبعضنا قد تجاوز الفرجة الى تبرير الجريمة ضد بعضنا الآخر،
وبعضنا الثالث قد انقلب على هويته وتاريخه فصار شريكاً في الجريمة التي ترتكب ضد بعضنا الآخر.
أين مستقبل فلسطين، وهل يقدر على تحمل مسؤوليته من يقبع داخل خوفه متفرجا على ذوبانها ببلادة المذهول او باستبشار المتواطئ المفترض انه كلما تعاظم طوفان الدم اقتربت لحظة وصوله الى دست السلطة، بغضّ النظر عن اعداد المقتولين.
ليس الاحتلال وحده قاتل الاوطان،
ان الطوائف ايضا قاتلة للاوطان،
والعصبيات، عنصرية كانت ام فئوية، مموّهة بالسياسة ام مفضوحة بعريها، قاتلة للاوطان والمواطنين،
وطالما تحوّل المواطن الى متفرج على موكب تشييعه فكيف له ان يتصور بعثاً قبل يوم القيامة الموعود.
من لا يصنع اخبار يومه لن يكون له غد.
من يتفرج على حاضره يسقط صريعا امام ناظريه كيف له ان يحلم بان يكون من صناع المستقبل.
كل عام وأنتم بخير..

أحمد حاطوم: ناسك العربية يستدرك ما فات النحاة!

تعودت اطلالات »ناسك اللغة العربية«، على تباعدها، حتى انني كنت أحس بوحشة غيابه، اذا ما تأخّر عن موعد ظل دائما معلقا خارج التقويم.
… وتعودت استقبال احمد حاطوم بتهيب تلميذ على مقاعد الدراسة في اللغة، امام استاذ صارم لا يتهاون ولا يجامل ويعتبر اي خطأ في استخدام »العربية«، فعلا او فاعلا او مفعولا به او ظرفا او اداة شرط بمثابة اعتداء فظ على كرامته الشخصية.
كان نادرا ما يكتب فاذا كتب ففي موضوعه الأثير الذي انصرف اليه دارسا وباحثا ومجتهدا في سعيه لاعادة الاعتبار الى لغتنا الجميلة التي تكاد الكثرة من اهلها ينفضون عنها او يهربون بابنائها منها لصعوبتها، كما يفترضون، ولمجافاتها العصر كما يتقوّلون عليها..
قبل ايام دخل علينا احمد حاطوم بكتابه الجديد الذي يحمل عنوانا منحوتا بالازميل: »قواعد فاتت النحاة«…
قلت وأنا أقلب الصفحات الناضحة بالعلم الصعب والمرارة النابعة من خيانة الذات: وكيف تريد الا تفوت هذه القواعد الكتبة المبتدئين والذين يباشرون دراسة الصعب ثم ينصرفون عنه؟
ها هو احمد حاطوم يحمل كتابا على صورته ومثاله الذي لا يعرف المجاملة ولا يقول غير ما يعتقده الحق، وهو من كان مديرو المدارس الرسمية والمعلمون فيها يستعدون لزيارته كمفتش تربوي بكثير من التهيب، لما يعرفونه عنه من دقة وجدية واحترام للذات تجعله يستعصي على الوساطة والشفاعة، وان انصرف الى اصلاح الاحوال بعيدا عن منطق »التأديب«.
كان زهوه بإنتاج جديده يغلب على شعوره بالمرارة، لأن الموضوع الذي يشغله اي اللغة العربية، بحاضرها ومستقبلها، لا يلقى لدى الجمهور عموما ولدى الصحافة والإعلام خصوصا ما يستحق الاهتمام والمتابعة.
تتبدى المرارة، اول ما تتبدى في الإهداء، اذ يتوجه الى الطلاب بشيء من التوجيه الصارم، والى »كتّابنا الأدباء« بأقسى: »الذين يشبّه لنا انهم لا يعون ان الجانب اللفظي مما يكتبون يشكّل جزءاً من المضمون كلما ارتفع المضمون«.
أما المدخل إلى مبحثه الصعب فقد اختار له احمد حاطوم نصاً هو فكرة للعماد الاصفهاني اعاد صياغته حتى صار كالتالي:
»ما انشأ امرؤ كلاما في يوم هو فيه الا قال في غد يأتي عليه: لو غيّر هذا لكان افضل، او حذف هذا لكان اجمل.. وهذي لعمري عبرة من اصدق العبر، ومظهر لا يدانى من مظاهر النقص في بنية البشر..«.
يبقى ان الناشر رأى بقلم حاطوم ان »الكتاب هو دعوة الى لغويينا الطالعين ان يضبطوا اندفاعهم الى الاعراب ويجتنبوا الغلو فيه، ويعرضوا عن كتب وكراريس تكاد تقتصر عليه الى متن في عتمته المضيئة قواعد يندفعون إليها: لانها جوهر الكلام، ويستخرجون ما يستخرج منها: قواعد فاتت النحاة!
على من تقرأ مزاميرك يا حاطوم، والعربية تشكو هجر اهلها، الذين يرطنون كالاعاجم بلغة فيها من مكامن الجمال ما يعدل السحر، لانها لغة للشعر والعطر والورد بقدر ما هي للعلم والابداع، ثم إنها حية تنبض وتسكن في الغد لانها تملك مفاتيح ابوابه، لو انهم يعلمون.
ولعل كتاب احمد حاطوم لا يفوت الكتّاب والشعراء والبحاثة هذه الايام، فيكون لهم دليلاً الى الصح في زمن يغلب فيه الغلط.
…والناسك يواصل تبتله في محراب لغتنا الجميلة. اعانك الله يا احمد حاطوم!

الرجل الذي دعا الوردة إلى العشاء

أن تذهب الى الشعر كمثل ان تذهب الى مهرجان فرح: تتنبه ذاكرتك، وتنشط ذائقة الجمال لديك، وتستعيد احترامك للغتك التي ستحملك الآن على اجنحتها الرقيقة الى دنى من المتعة والبهاء تروي شغفك بالعشق وتدخلك الى نعيم الهمس الذي يدخلك مهجع احلام الاميرة النائمة.
…وكنت في زيارة للشعر، ذلك الغروب، حين اجتاحك طوفان النثر المحموم.
فتحت الوردة طريق اللقاء التي ازدحمت عليها اللهفة، حتى وصلتك التحية دافئة كالدمع.
كان الجمهور تجمعاً من كهول يعيشون الحب بآذانهم او عيونهم ويتنهدون بعض الماضي الذي يستعصي عليهم مد ولايته الى الغد.
كانوا آتين الى الشعر ليسمعوا الحب فيسافروا على جناحه الى الذكريات مفترضين انهم متى استعادوها استعادوه.
في القاعة، حيث اطلقت الوردة عطرها، كان الشعر يتبعثر كلمات مقطعة، اما المساء فكان عابقاً بتنهدات الذين يستعيدون مع الصور المتدفقة عن حب الآخرين شبابهم وينسون ان يصفقوا.
وبكى الشاعر وهو يعترف انه نسي الكلمات حتى فوجئ بها تنتصب امامه جسداً انهكه العطش وروحاً تبحث عن متعة الذوبان.
وقف كتمثال يردد امامها الكلمات حتى فاض عطر الوردة عن القاعة المزدحمة بالتحسر، ثم انتبه فدعاها الى العشاء، وعندها فقط انطوت الوردة على عطرها وذهبت الى النوم.

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
لاحظت ان الحب قد بدّل في سلوكي ولغتي وهندامي وصولاً الى تسريحة شعري..
صار حواري مع الغير أهدأ وانتبهت الى مسلكي مع الغير فغدوت ألطف، وملكت انفعالي فلم اعد اغضب لكلمة او لتصرف خاطئ.
الحب يغيرك ويغير نظرتك الى من حولك وما حولك.
انه يمنحك الشعور بأنك غدوت جميلا فترى الوجود جميلاً!

Exit mobile version