طلال سلمان

الفاسدون.. يحاربون الفساد!

لم نجد فاسداً بعد.

كنا نحسب أن الفاسدين سيخافون قليلاً من “العهد”.

عبث، لدى الفاسدين شجاعة جدية. ليس لدى أحد الشجاعة على منازلة الفاسدين، إنهم الأقوى، إنهم الدولة أو أن الدولة في خدمتهم.

يحكى عن محاربة الفساد، أين المعركة؟ من يتولى خوضها؟ هل القضاء مؤهل لهذه المعركة؟ مضحك هذا التساؤل. أهل القضاء يشكون قضاءهم، العلة فيه لأنه مستباح،بدل أن يخافه الفاسد، يخاف منه.

الفاسد، رتبة عليا، لا تدانيها رتبة. كأن العلة في الأصول لا في الفروع. من يفترض فيه الاستقامة مُعوج ومدمن على الإنحناء. امرأة قيصر هجرت المكان. الإسخريوطي هو الوريث، فلتصلب العدالة إذاً.

***

لم نجد في جمهورية الفساد، فاسداً واحداً بعد. أسوأ ما يصاب به لبنان، انه يوكل للمريض مهمة شفاء الأصحاء. أن يكلف الطائفيون بمحاربة الطائفية، أو التقليل من غلوائها. أن يكلف الفاشلون جداً في إنجاح خطط الكهرباء وبرامج التربية وإدارة شؤون البلاد والعباد.

أسوأ ما يصاب به لبنان أن يوكل أمر محاربة الفساد الى الفاسدين… حتى الآن لم يفتح ملف. بالصدف وحدها، تم اكتشاف جريمة مزمنة، تعود الى عشر سنوات مضت. تم اكتشاف جريمة مكشوفة ومعروفة ومسجلة في دوائر القضاء. تم اكتشاف عمليات قتل عن عمد، بهدف السرقة والإثراء. نامت الجريمة في الإدراج سنوات. عرف بها وزراء. صمتوا. عرف بها القضاء فسكت. عرف بها سياسيون فطنشوا. عرف بها قادة ففركوا أصابعهم، وما رف لهم جفن.

انه لأمر فادح، أن يكلف الفاسدون بمحاربة الفساد… هذا هو لبنان.

***

لدى اللبنانيين إيمان مطلق، بأن الاستخفاف بعقولهم هو الأساس. يراهنون على لا مبالاة الناس. فعلاً، هذا الرهان رابح. الأكثرية تعرف الفاسدين بالإسم والفعل والإرتكاب. تدل عليه، تشير إليه، تتحدث عنه. ومع ذلك، تقبل اليد الفاسدة وتسير في مواكبها السياسية وترفع الصوت تأييداً، لا استنكاراً. واذا حصلت هزة وجدانية، بعد حدث مفرط فساداً، تناسوها بعد أيام.تناسي اللبنانيين يساوي جريمة، إذ، كيف يمكن تناسي جرائم، كل يوم، كل ساعة، وبالآلاف.

السياسيون، قادة وأتباعاً وأزلاماً، يطالبون بوقف الهدر. “أفصح ما تكون القحباء حين تحاضر في العفاف”. كي تستقيم العبارة عليهم أن يطلبوا من أنفسهم وقف الهدر، والهدر كلمة ملطفة عن السرقة والنصب وصرف النفوذ وحماية المافيات، تهريباً وتخريباً وتحزباً.

أسوأ ما يصاب به لبنان أن يجد الفاسدون رعاية تامة من المرجعيات الدينية. تباً ثم تباً ثم تباً.

***

لا تفاؤل البتة في التعيينات الجديدة. هجرت الملائكة ملاك الدولة، عندما سلمت المؤسسات لرعاية زعماء الطوائف ومحاسيبهم. هي راهناً في أحضان أبالسة المذاهب وأصحاب المال وعصابات الفساد.

لا خير يرجى من وزارة لمكافحة الفساد. هذا فولكلور. وديكتاتورية الفساد التامة، لا تواجه بوزارة ولا بمجلس وزراء، تدور حول كثيرين فيه علامات استفهام على ماضيهم وحاضرهم ونوايا مستقبلهم. انهم، في اليقين العملي، حماة للفاسدين المتربعين في مفاصل الدولة وأجهزتها ومؤسساتها. ولا يعول كذلك على القضاء. الأيادي البيض فيه مختفية، وأفعالها خافتة. المجتمع المدني عاجز، “الشعوب” اللبنانية الجاهزة لانتخاب أكثر الفاسدين، هي مشاركة في تغذية الفساد وحمايته. النخب الثقافية مستقيلة، ربما بسبب يأسها المحق: لبنان غير مهيأ للتغيير، بلد بلا مساءلة ولا محاسبة، بلد مغلق ولا إمكانية لإصلاح.

ماذا لو تنشأ “محكمة شعبية” لمحاكمة الفاسدين؟

من يجرؤ على تسمية مفاتيح الفساد وحماية مروجيه؟

الفساد، أكثر خطراً من العدو الخارجي. أقوى من إسرائيل والتكفيريين. أقوى من انظمة الاستبداد والممالك والإمارات التي تعوم على فساد “مبارك”.

لا أحد يجرؤ.

لا شهداء في هذا المضمار، الكل يهرب من المعركة.

فلا حول ولا قوة إلا بالفساد.

تـبــاً.

Exit mobile version