طلال سلمان

الغد العربي بين الجمهوريات الملكية والممالك المذهبة في قلب الفوضى..

عرف العالم، عبر تاريخه الطويل أنواعاً من أنظمة الحكم: بينها القيصري، حيث السلطة، كل السلطة، بين يدي القيصر (ومساعديه..)

…ثم الامبراطوري، حيث اختلفت التسمية من دون أن يختلف المضمون، فظل هو هو الآمر الناهي، يحيي ويميت، يعطي ويمنع، هو مصدر المكافأة والجزاء، يعاقب فلا يسأل، يقول فلا يناقش لان مناقشته تمرد على الذي لا يرد له أمر..

ولقد جاء المسلمون الاوائل بنظام “الخليفة” بعد رحيل النبي العربي محمد بن عبدالله (صلي الله عليه وسلم) …لكن هذا “الخليفة” سرعان ما تحول مع الامويين ثم العباسيين، وفي مصر وشمالي افريقيا مع الفاطميين، إلى امبراطور او قيصر، مطلق الصلاحية، ليس ثمة من يحاسبه، فاذا تم الحساب فبالسيف وحده، لأنه اجدى من الخلع، واسرع في رفع الخليفة الجديد إلى سدة السلطة..

..ولما ضعف موقع الخليفة في دولته، والدولة في محيطها، قفز امراء الحاشية بشخص قادة الجيوش، فصار سلاطين العرب من الاكراد و”قوميات” أخرى، وضعفت الدولة العربية، بمختلف أسماء ولاتها فجاء الصليبيون من اوروبا محتلين، وسيطروا على بلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين والاردن ضمناً)..

وكانت “الذريعة “حماية كنيسة القيامة في القدس الشريف، والتي راعى المسلمون موقعها الخاص عند اخوانهم المسيحيين، خصوصاً وانهم يؤمن بقداسة السيد المسيح (كليم الله) ووالدته مريم العذراء (التي لم يمسسها بشري قط ولا طاولها الدنس من امامها او من خلفها..)

اليوم تحكم العرب انظمة هجينة ويتحكم برقابهم قياصرة واباطرة من نوع جديد، هو “الملك المصفح بالذهب” او “الامير المصفح بالماس”..

.. وبديهي أن يحاول رؤساء جمهوريات الفقر العربي تقليد الملوك والامراء ـ الخلفاء.. فلا يعترفون بالمدة الدستورية للرئاسة، بل يتجاوزونها مرة ومرتين وثلاثا (حسني مبارك بقي رئيسا لثلاثين سنة، وكذلك حافظ الاسد، اما صدام حسين فقد استمر فوق عرش العراق لمدة 35 سنة بلا انقطاع حتى خلعه الاحتلال الاميركي بعد مغامرتين عسكريتين بائستين: الاولى ضد ايران وقد استمرت لسبع سنوات عجاف، الثانية ضد الكويت وقد كلفت العراق حرباً اولى جمع فيها الاميركيون قوات عربية تحت رايتهم لتحرير الكويت.. قبل أن يتقدموا بعد اثني عشر عاماً لاحتلال العراق كاملاً، واعتقال صدام حسين الذي كان يختبئ في حجر، ليسلموه إلى الغوغاء من الشيعة لينفذوا فيه حكم الاعدام شنقاً، بينما هو يطلق خطابا قوميا عربياً، بحيث باتت الفتنة قائمة، بعد ما وجدت من يشعلها، ولو ضربته اللعنة بعد ذلك).


لقد حاول حكام الجمهوريات الذي وصل معظمهم الى السلطة بانقلاب عسكري أن يحول الجمهورية إلى عرش ملكي، وان يحولوا الادارة إلى حاشية ملكية، وان يأسروا الجيش بقادة من “عبيدهم” بغض النظر عن عدد النجوم على أكتافهم..

ولقد انتقلت عدوى الانقلاب إلى بعض الممالك والامارات في الجزيرة والخليج، وهكذا خلع الامير محمد بن سلمان ابن عمه الامير محمد بن نايف، وهو راكع على ركبتيه امامه.. بينما خلع امير قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني نجله تميم، بعدما كان ابوه خليفة، قد خلع جده الشيخ حمد الخ.. كذلك فقد ازاح امير البحرين حمد بن عيسى آل خليفة والده عيسى بن سلمان آل خليفة ونصب نفسه ملكاً على الجزيرة الصغيرة التي تحتشد من حول القاعدة البريطانية فيها مدمرات وبوارج الاسطول الاميركي السادس او السابع، لا فرق.

أما في دولة الامارات العربية المتحدة فقد ازاح كبير ابناء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الشيخ خليفة بن زايد، اشقاءه الاصغر، ولا سيما كبيرهم الشيخ محمد بن زايد، من دوامة الصراع على الحكم فاكتفى بأن يكون نائب الامير، تاركاً للشيخ محمد بن راشد (أمير دبي) أن يكون رئيس الوزراء والوزير الاول الذي يحق له أن يتصرف بما دون “الامير” بقليل.

وأما في بلاد الشام فعراق ما بعد صدام حسين برئيس للجمهورية من الاكراد، في حين باتت رئاسة الحكومة ووزاراتها الاساسية للشيعة، بينما ابقيت للسنة حصة وازنة في الحكومة التي متى اشتدت الخلافات حولها إلى حد انحلالها بقيت ارض الرافدين بلا حكومة، او بحكومة عرجاء، في انتظار “التوافق الوطني” الذي يتضمن الولايات المتحدة الاميركية وايران وبريطانيا العظمى (سابقا) وبعض جنود فرنسا، فضلاً عن الحلم الكردي بدولة مستقلة في الشمال الذي تقاتله تركيا وايران (والعالم كله) قبل بغداد..

تبقى سوريا، في المشرق، حيث يفترض الرئيس بشار الاسد انه “ورث” العرش عن ابيه الرئيس الداهية حافظ الاسد الذي حكم سوريا لثلاثين سنة متصلة، شهدت انتفاضة اهلية ضد النظام (في حماه) وحرب السادس من تشرين الاول التحريرية (مع مصر ـ السادات) في خريف العام 1973… وعلى هذا فان الرئيس بشار يحاول أن يقتدي بتجربة ابيه، في ظروف محلية وعربية ودولية مختلفة، وبشخصية تختلف اختلافا جذريا عن شخصية ابيه.

لهذا تعيش سوريا زمناً صعباً منذ ثماني سنوات، يواجه فيها النظام حروباً في الداخل، يتهم بها “العصابات المسلحة” التي تحظى بإسناد اسرائيلي وتركي مفتوح، فضلاً عن المعترضين على اجراءات الانفتاح العشوائي الذي فتح ابواب سوريا امام الطوفان التركي من البضائع الرخيصة مما ألحق ضرراً فادحاً في الاقتصاد الوطني… بينما كان النظام قد عقد ما يشبه المعاهدة مع تركيا اردوغان، تنازل فيها عن المطالبة بكيليكيا والاسكندرون (باعتبارهما اراضي سورية)..

فأما مصر فالباب مفتوح امام ولاية ثانية (وربما ثالثة) امام الرئيس عبد الفتاح السيسي..

وأما ليبيا فقد زالت دولتها عن الخريطة بعد حكم العقيد معمر القذافي الذي امتد لأكثر من اثنين واربعين عاماً..

وأما تونس فتعيش قلقاً مفتوحاً على المجهول، بعد اسقاط انقلاب بن علي واعادة الاعتبار إلى الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة عبر الحكم الجديد وسط غضب الشارع.. مع عجزه عن التغيير!

وأما الجزائر فكل العرب يعيشون مع اخبارها على الهواء، متخوفين من حمام دم جديد فيها، قبل أن يسمع رئيسها العاجز عن الحركة وعن النطق السليم صوت شعبه يطالبه بالرحيل، حرصاً على وحدة الجزائر وتاريخ نضالها المجيد وثورة المليون شهيد التي انجزت استقلالها قيام الجمهورية الديمقراطية فيها..

إلى أين يُساق العرب وهم مغيبون عن القرار في بلادهم؟

هذا هو السؤال الذي يتفجر بالأسئلة المعلقة، حتى اشعار آخر، بلا جواب!

تنشر بالتزامن مع السفير العربي

Exit mobile version