طلال سلمان

العدو يقيّد الصلاة في الأقصى في رمضان

غزة ـ حلمي موسى

في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تبني رأي وزيره الكهاني المتطرف، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بتقييد وصول المسلمين، ليس من الضفة الغربية فحسب، وإنما أيضا من فلسطين المحتلة سنة 1948، للصلاة في الحرم القدسي طوال شهر رمضان المقبل.

ويأتي القرار خلافا لرأي غالبية الأجهزة الأمنية في الجيش والشاباك، التي رأت أن الخطوة كفيلة بتفجير الأوضاع في المنطقة. واحتج مسؤول سياسي إسرائيلي كبير على القرار معتبرا أن “رمضان يمكن أن يؤدي إلى انفجار، وبن غفير يريد هذه الأشياء المجنونة”.

ويذكر أيضًا أن منع الفلسطينيين من دخول الحرم القدسي سيثير إدانة “من العالم العربي بأكمله”.

ويحذر المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون من أن حماس ستستغل شهر رمضان لتوحيد قطاع غزة والضفة الغربية مع استغلال الجانب الديني. وفي هذه المرحلة، توصيتهم بالسماح للفلسطينيين بدخول الحرم مع تحديد عمر محدد، وهذا يتعارض مع طلب بن غفير، بعدم السماح بذلك على الإطلاق.

ويقول مسؤولون أمنيون أنه “في يهودا والسامرة، كل ما ينقصنا هو عود كبريت لإشعال الوضع. على عكس المرات السابقة، نشهد هذا العام بالفعل سلسلة واسعة جدًا من العمليات والاعتقالات، لذلك يوجد عدد كبير من النشطاء في السجن أو تمت تصفيتهم. ونحن نواصل نشاطنا المكثف للغاية في جميع أنحاء الضفة”.

وبالإضافة إلى ذلك، يشيرون إلى أن التدهور الاقتصادي المتفاقم للسلطة الفلسطينية يخلق أيضًا ضغوطًا. “لقد قامت حماس وإيران مؤخرًا بزيادة نفوذهما في يهودا والسامرة وعرب إسرائيل بالمال والذخيرة والنوايا.”

وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى أن توافق نتنياهو مع بن غفير حول تقييد وصول وصلاة المسلمين إلى الحرم القدسي لم يتضمن بعد الاتفاق على أعمار المسموح لهم بالوصول في رمضان، ولا على أعدادهم.

ولكن القرار الذي اتخذ ينسجم مع مطالبة بن غفير بالحد من وصول المسلمين إلى الحرم، بمن فيهم فلسطينيو الداخل الذين يعتبرون مواطنين إسرائيليين أيضًا.

وكان بن غفير قد طالب في الأصل أن يكون سن الذين يمكنهم الدخول إلى الحرم هو 70 عاما وما فوق، لكن الأمر لم يحسم بعد. وقال مسؤول سياسي كبير إن “رمضان يمكن أن يؤدي إلى انفجار. بن غفير يريد أشياء مجنونة يمكن أن تشعل المنطقة. ثمة رئيس حكومة هنا لا يفهم حجم الحدث”.

ورفض أحد المقربين من رئيس الوزراء الانتقادات وقال: “إنه لم يستسلم لبن غفير، وهو يطلب التصرف بمسؤولية”.

وعلق الوزير بيني غانتس على القرار قائلا إن “القرار المبدئي لدولة إسرائيل، على مر السنين، وكذلك هذا العام، هو السماح بحرية العبادة في شهر رمضان والسماح بالوصول إلى الحرم. ونظراً للحساسية الأمنية، سيتم فرض قيود لاعتبارات الأمنية. ولم يتم الاتفاق بعد على هذه القيود. وستقوم السلطات الأمنية بصياغة توصياتها وفقاً لتقييم الوضع وسترفعها إلى المستوى السياسي لاحقاً”.

ولكن وسائل الإعلام الإسرائيلية لاحظت أن مواقف بن غفير كانت مخالفة لموقف المؤسسة الأمنية والشرطة أيضا. واقترحت الشرطة الحد من دخول عرب 48 الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما، بينما اقترحت المؤسسة الأمنية عدم تقييد وصول عرب الداخل إلى الحرم على الإطلاق.

أما بالنسبة لفلسطينيي الضفة، فقد اقترحت الشرطة قصر الدخول إلى المنطقة على من هم في سن 60 عاما فما فوق، في حين كان موقف المؤسسة الأمنية هو أن الدخول يجب أن يقتصر على من هم في سن 55 عاما فما فوق.

وأثناء النقاشات، تم اقتراح قبول الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية من سن 60 فما فوق، أو الأطفال حتى سن 10 سنوات – ليصبح المجموع حوالي 15000، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من العرب الذين يعيشون في القدس الشرقية والبلدات العربية في إسرائيل.

ومن المتوقع أن يحل شهر رمضان في الفترة ما بين 10 آذار و9 نيسان، مع أربعة أيام جمعة تقام خلالها رحلات الحجيج الرئيسية إلى الحرم. وسيكون يوم الجمعة الأول من شهر رمضان يوم 15 آذار، والجمعة الأخيرة يوم 5 نيسان.

وشارك في النقاشات مع نتنياهو أعضاء مجلس الحرب، إلى جانب بن غفير، إسرائيل كاتس وريف ليفين. وطالب وزير الأمن القومي في النقاش بالسماح للشرطة باقتحام الحرم القدسي بقوات كبيرة في حال رفع علم حماس أو علم فلسطين أو أي رمز آخر لدعم الإرهاب. ورفض طلبه. كما طالب بن غفير بإحالة القرار المتعلق بتقييد المواطنين العرب أيضا إلى موافقة السلطة السياسية – والمؤسسة الأمنية.

وقال عضو الكنيست وليد الهواشلة، عن القائمة العربية، ردا على القرار: “لقد استسلم نتنياهو مرة أخرى لبن غفير، وهو قرار خطير وعنصري قد يضيف وقودا غير ضروري إلى نار العنف”.

أضاف أن “المحرض بن غفير يريد إشعال النار في القدس. ونتنياهو، وبدلاً من أن يعيده إلى مكانه ويحافظ على حرية العبادة والصلاة للمواطنين المسلمين خلال شهر رمضان المبارك، يتعاون معه. وأنا أدعو كافة الأطراف المسؤولة في الحكومة، وعلى رأسهم الوزراء غالانت وغانتس وآيزنكوت، إلى التحرك لإلغاء القرار المخزي الذي قد تكون عواقبه وخيمة علينا جميعا”.

بدوره، قال عضو الكنيست جلعاد كاريب عن حزب العمل: “إن نتنياهو يعرّض أمن مواطني إسرائيل للخطر من خلال مغازلة رجال كهانا، ويضع مرة أخرى المصالح السياسية فوق توصيات المؤسسة الأمنية. وبعد أربعة أشهر من اختبار النسيج المشترك للحياة بين اليهود والعرب في إسرائيل، يسعى نتنياهو إلى تقديم الدعم تحديدا للعناصر المتطرفة والمحرضة، تماما كما فعل طوال سنوات حكمه في ما يتعلق بحماس.”

وتابع أنّ “نتنياهو يثبت مرة أخرى أنه جيد للمتطرفين وكارثة للمعتدلين. إن الانشغال بمسألة الوصول إلى الحرم القدسي في رمضان سيكون أمر متفجر بشكل خاص هذا العام. ويجب أن نتذكر أن حماس تسمي مجزرة 7 أكتوبر “طوفان الأقصى”، وليس هباءً.”

وأعربت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عن خشيتها من أن تفلح حماس في الاستيلاء على الساحات في مواجهة إسرائيل خلال شهر رمضان، بعد أربعة أشهر تعرضت فيها لضربات قاسية على يد الجيش الإسرائيلي في غزة وأضعفت موقعها إلى حد كبير في العالم العربي.

ويحذّر مسؤولو الأمن من أن قضية الدين والحرم القدسي توحد العرب كلّهم كل عام – ويتعين بالتالي اتخاذ إجراءات حكيمة لمواصلة عزل القطاع من دون خلق العنف في قطاعات أخرى أيضاً، وبالتأكيد خلال الفترة المتفجرة من العام، والتي ستتقاطع هذه المرة مع الحرب أيضاً.

وإلى جانب كل ذلك، يعتبر المسؤولون الأمنيون أنه لا بد من إضافة العالم العربي أيضاً إلى منظومة الاعتبارات. إذا لم يكن من الممكن دخول إسرائيل والصلاة في الحرم القدسي، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث اضطرابات ضد إسرائيل في العالم العربي والتي قد يكون لها تأثير أيضًا.

وكانت القصة قد بدأت بدعوة بن غفير إلى عدم السماح للمسلمين بالصلاة في المسجد الأقصى. وقال قبل مناقشة الاستعدادات لشهر رمضان: “لا يمكن أن يتم اغتصاب النساء المختطفات في غزة، وتسمح إسرائيل باحتفال انتصار حماس في الحرم القدسي”. وقد رفض نتنياهو التعليق على كلام بن غفير حين سئل خلال المؤتمر الصحافي الأخير لكنه قال “لكل وزير الحق في التعبير عن رأيه، وستكون هناك مناقشة منظمة سنتخذ في نهايتها قرارات”.

وقال بن غفير: “يمنع بأي شكل من الأشكال السماح بدخول سكان السلطة الفلسطينية إلى أراضي إسرائيل”. وهاجم المواقف التي بموجبها يتم السماح بدخول سكان الضفة إلى الحرم القدسي: “إنهم لم يتعلموا شيئًا من 7 أكتوبر”. مؤكدا أنه “سأعارض بشدة دخول سكان السلطة الفلسطينية إلى إسرائيل وآمل أن يتصرف بقية الأعضاء بالطريقة نفسها مع الحكومة الموسعة، المخولة وحدها باتخاذ القرار وليس المجلس الوزاري المصغر، وبرغم أنني مدرج فيه، إلا أنه لا يعكس آراء جميع أعضاء مجلس الوزراء”.

وقد بحثت لجنة الكنيست الشهر الماضي الإجراءات الواجبة في شهر رمضان، وحينها زعم مسؤولون في الشرطة الخاضعة لتعليمات بن غفير أن الاستعدادات هذا العام في ظل أحداث 7 أكتوبر وحرب “السيوف الحديدية” تتطلب “مقاربة مختلفة”.

وفيما يتعلق بالمدن المختلطة، قالت الشرطة إنه تم تحديد نقاط الاحتكاك بين اليهود والمسلمين حتى لا تقع حوادث عنف بين الطوائف. “تتدرب كل منطقة على الانتهاكات، وفي الوقت نفسه سيتم رسم خرائط لأكثر من 300 نقطة احتكاك في جميع أنحاء البلاد، بحيث يكون لكل منها ملف منطقة ومعرفة أين تتمركز في ضوء الأحداث الماضية. بالإضافة إلى ذلك، هناك هو حوار روتيني مع رؤساء السلطات والأشخاص المحترمين، وبالتأكيد قبل شهر رمضان”.

Exit mobile version