طلال سلمان

العدو حائر في مواجهة وقائع لم يعهدها

غزة ـ حلمي موسى

يوم جديد، وأمل كبير بقرب تحقيق النصر. الأيام تتسابق، ونحن على موعد مع النصر الذي يكسر العدوان ويعيد لشعبنا حقوقه. وحتى حدوث ذلك، نتسلح بالصبر والصمود والأمل بأن شلال الدم الفلسطيني سيعالج بعضا من أمراض أمتنا. وبنا أمل بأنه، على صخرة صمود شعبنا ومقاومته، ستتحطم غطرسة العدو كما وظيفته ودوره في منطقتنا، كمصادر لحق أمتنا في المستقبل.

ويبدو العدو في الأيام الأخيرة حائرا في كيفية التحرّك. فقد أوغل في القتل والتدمير الى أبعد الحدود. وكان قد نال تأييدا واسعا في العالم بداية، ثم صار يتراجع. وصار هو نفسه أقرب إلى الإيمان بضعف روايته التي حاول تسويقها للعالم، فراجت حينا ثم عادت لتتراجع الآن بقوة كبيرة.

ويجد الجيش الاسرائيلي نفسه في مواجهة وقائع لم يعهدها. فالقوات الخاصة من “سييرت متكال” و”سييرت مظليين” و”سييرت جولاني” و”ماجلان” و”دوفدفان” و”شييطت 13″، كلّها تفقد يوميا قادة وجنود، ويصعب عليها أن “ترجع الى قواعدها سالمة”. وصار عسيرا عليها أن تقيم في القطاع أي قواعد ترتكز إليها.

أمّا سلاح الدبابات الحديث قويّ التدريع، فأنه واجه حائط صواريخ من نوع جديد دمر الكثير من الدبابات والدروع وأجبر أرتال هذه المدرعات مرارا على التراجع وترك المهمة للطيران. وكثيرا ما فقدت هذه الدبابات قدرتها على الحركة، فتراجعت وغدت مجرد مدافع ثابتة.

ومثلما يوجد لدينا تساؤل حول مدّة الحرب ومدى اقتراب نهايتها أو ابتعادها، يُطرح السؤال نفسه في “إسرائيل” أيضا.

وتتراجع القيادات الإسرائيلية بشكل واضح عن قناعتها بقرب تحقيق انتصار واضح وحاسم. وبدلا من الكلام السابق عن أسابيع، ثم بعدها عن شهور، صاروا يتحدثون الآن عن أن تحقيق أهداف الحرب يتطلب سنوات!

ومن البديهي أن كلاما من هذا النوع يخلّف نوعا من الخيبة في صفوف الجمهور الإسرائيلي الذي لم يعتد على هذا النمط من الحروب، ولم يعتد على دفع ثمنها الباهظ اقتصاديا، فضلا عن الدماء والإصابات والمعاناة.

وعندما يتحدث الوزراء عن ضرورة تقليص الرواتب والميزانيات وزيادة الضرائب وتقليص الاعفاءات الضريبية وما شابه، يبدأ التساؤل لدى بعض القطاعات على الأقل، عن جدوى البقاء قي الكيان.

بالإضافة إلى ذلك، يتوقع أن يؤدي ارتفاع كلفة الحياة في الكيان إذا استمرت الحرب، أو توسعت الى لبنان، إلى ارتفاع الميل الى الهجرة المضادة.

وبديهيا تدلّ هذه المؤشرات كلّها على اختلاف المستقبل عن الماضي، وعلى أن الوجهة ليست في صالح الكيان.

وإلى حين ظهور نتائج ما يحدث اليوم، كلّنا أمل بحدوث تغييرات في محيطنا العربي تسمح وتساعد في تجيير “7 أكتوبر” وتبعاتها، وتعيد وضع أمتنا ودولها على خريطة المصالح الدولية في مكانها الصحيح.

 

حول مفاوضات التبادل

بات معروفا أن رئيس الموساد اجتمع في أوسلو برئيس الوزراء القطري للتباحث في صفقة تبادل للأسرى. وأشارت بعض وكالات الانباء الى أن اللقاء كان “إيجابيا” من دون الإشارة إلى أيّ تفاصيل.

وقد عرضت بعض وسائل الاعلام الإسرائيلية معطيات متناقضة حول ما يجري.

فبعضها أشار الى غياب أي تقدم في المفاوضات، في حين أشار آخرون الى حدوث تقدم كبير يعود أساسا لمبادرة اسرائيل هذه المرة بتقديم عرض “مغر” لحماس قائم على استعدادها لـ “جولة تبادل” قوية مقابل الإفراج عن مجموعة “نوعية” من الأسرى الفلسطينيين. واستخدام تعبير “نوعي” في “إسرائيل” يتصل باستعدادها للإفراج عن أسرى كانت ترفض في السابق مناقشة، مجرد مناقشة. الإفراج عنهم.

ويعني ذلك، بصريح العبارة، الاستعداد للإفراج عن أسماء ذات محكوميات كبيرة ممن يوصفون دوما بأن أياديهم “ملطخة بالدماء”. وبكلمات أخرى، وخلافا لمن تم الإفراج عنهم في أيام الهدنة السبعة السابقة، فإنّ اسرائيل مستعدة لتسلم قائمة أسماء تطالب بها “حماس”. ولكن اسرائيل تشترط أنه بالتوازي مع ذلك، ينبغي لحماس أن تسلم أيضا قائمة إجمالية بالمختطفين الإسرائيليين الذين تنوي الإفراج عنهم.

غير أن كل هذا الكلام في واد، و”حماس” في واد آخر، وفق وسائل إعلام إسرائيلية أخرى. فحماس تطالب علنا بوقف الحرب، وليس بهدنة، مقابل الإفراج عن الأسرى لديها. ونقل مراسل اسرائيلي عن مصدر عربي قوله إن حماس، وخلافا للهدنة السابقة، تطالب بتراجع القوات الإسرائيلية عن خطوط تواجدها الحالية، قبل البدء بأي مفاوضات لتبادل الأسرى.

في كل حال، فإن من يعرف تعقيدات الإفراج عن عدد كبير من الأسرى في الماضي يدرك أن هذه التعقيدات تتضاعف في الوقت الراهن. فإسرائيل تشعر أنّها في حرب وجودية مع الفلسطينيين عموما، ومع “حماس” خصوصا. ولذلك، فإنها لا تتخيل توقف هذه الحرب وعودة الحياة الى مجاريها كما كانت الامور في الماضي. والأسرى الفلسطينيون المحررون في هذه الصفقة، ينبغي أن يكونوا من الضفة بما فيها القدس، ومن قطاع غزة.

وليس لدى حكومة نتنياهو أي تصور لحل مع الفلسطينيين، سوى استمرار السيطرة عليهم بقوة السلاح. ولذلك، فإن عملية الإفراج عمّن تعتبرهم اسرائيل أعداًء لها في الضفة والقطاع، وفي ظل استمرار حالة العداء، يعني تكرار مصير محرري صفقة شاليط أو أسوأ من ذلك حتّى، لاسيّما وأنّ كثيرا من قادة إسرائيل العسكريين السابقين يقولون علنا أن ثمة أولوية للإفراج عن الأسرى الاسرائيليين لدى “حماس” مهما كان المقابل، وإنه بوسع اسرائيل أن تبدأ في اليوم التالي عمليات اغتيال لمن أفرجت عنهم.

والمقصود أن جانبا من الرغبة في تسريع الإفراج عن الإسرائيليين يتضمن رغبة موازية، وبسوء نية، في استهداف المحررين الفلسطينيين في الأيام التالية للإفراج عنهم.

في جميع الأحوال، تتضمن رغبة اسرائيل في إجراء صفقة التبادل استعدادا لهدنة، أو أيام هدن، على نمط ما جرى في الأيام السبعة للهدنة في المرّة السابقة. ويقول الإسرائيليون أن تجربة العودة للحرب بقوة لا تقلّ عما كانت عليه قبل الهدنة، باتت أمرا مجربا وليست كما كان البعض يقول انه غير ممكن.

في المقابل، فإن رغبة الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية في حلول هدنة لا تلقى رضى من جانب حكومة نتنياهو. والحقيقة أن حكومة نتنياهو والجيش الاسرائيلي لا يريدان صفقة تبادل بقدر ما يريدان، حاليا، الحد من تأثير قيام الجيش الإسرائيلي بقتل ثلاثة من المخطوفين قبل أيّام. وقد أثار ذلك الحدث ردود فعل قاسية داخل المجتمع الإسرائيلي خصوصا أنه أثار أيضا الاهتمام بتعليمات إطلاق النار لدى الجيش “الأكثر اخلاقية في العالم”، وهي تعليمات تجعله يحتل من دون نقاش مكانة الجيش الأكثر وحشية وإدانة اخلاقية في العالم، لأنه جيش يقتل المدنيين ويطلق النار على مستسلمين يرفعون الرايات البيضاء، ولا يميّز ببن مدني وبين عسكري، ولا بين من يشكل خطرا ومن لا يشكل أي خطر.

لقد فضحت قصة قتل المخطوفين إسرائيل أشدّ فضيحة. والمشكلة أنّها فضيحة، ومهما كبرت، فهي مجرد واحدة من سلسلة فضائح الاحتلال التي بدأ العالم يتعرف عليها وبالتفصيل الممل خلال حرب تتقدم بسرعة نحو نهاية شهرها الثالث.

Exit mobile version