طلال سلمان

العائد موتا

الجبّة سوداء، وتحتها القلب أبيض.
العمّة سوداء، وتحتها العقل مشع.
والكهولة تتربع على الملامح، وتكاد تعلن الشيخوخة عبر اللحية البيضاء المشذبة، لكن العينين تلمعان بحيوية الفتية، والأفكار والرؤى والإرادة تضج بزخم الشباب المؤهل لاختراق المستحيل.
الحزن عراقي، عريق ومعتق، لكنه يصير فجأة يتكشف عن طاقة هائلة من أجل التغيير سعياً وراء الفرح المرصود في الغد الذي لا بد أن تستقدمه بعزم السواعد.
أما حين تنجح الغواية، أو تفرض اللحظة حضور الشاعر فإن السيد مصطفى جمال الدين يصير نهراً عراقياً ثالثاً: يصفو ويرق حتى يكاد يذوب حباً، ويهدر عفياً بالغضب المقدس وهو يتخطى سور النفي عائداً إلى عراقه الحبيب المثخن بالجراح.
كأنما يولد العراقي في قلب المأساة، ويمضي عمره يحاول أن يخرج منها إلى أفق الحياة فتصده وتستعيد، ليظل أسيراً فيها لا هي تغادره ولا هو يتمكن من مغادرتها.
فكيف إذا كان العراقي من بين النكبتين، وبين المقامين، ومن الأرض التي إذا ما غفلت عن مآسيها وأهملتها فكأنما غفل عنها وأهملها التاريخ كله؟!
مصطفى جمال الدين في رحلته الأخيرة، الآن، يخترق أسوار المنافي عائداً إلى وطنه المنفي هو الآخر.
لم يكن ثمة من طريق للعودة إلا الموت،
وداعاً أيها العائد موتاً،
وداعاً أيها الباقي شعراً وروحاً وأصالة وحزناً عراقياً يختزن الأمل في غد أفضل، ولو بعد حين.
طلال سلمان

Exit mobile version