طلال سلمان

«الضربة» واعداء لبنان فيها

هل ارتحل اللبنانيون عن «وطن الأرز» بعيداً عن وطنيتهم، ولا نقول «عروبتهم» حتى لا نتهم في «لبنانيتنا» التي تأخذ إلى العالمية من دون تأشيرة؟!
هل جفّت مشاعر الأخوة وتيبست صلات الرحم و«تأمرك» اللبنانيون أو تغرّبوا فاندفعوا مع العنصرية إلى أبعد مما وصل الإسرائيليون، فهللوا لاحتمال تدمير سوريا، ونظم بعضهم الأغاني في «الضربة» الأميركية وسكروا بخمر التشفي من هذا الشعب الشقيق، بالتاريخ والجغرافيا والمصالح، بالنسب المباشر وصلات القربى والمصاهرة؟!
فمنذ أسبوعين أو يزيد قليلاً يُفرض على اللبنانيين أن يعيشوا في أجواء مهرجان «الضربة»!
احتلت «الضربة» مقدمات نشرات الأخبار والترويج لها وشرح ضرورتها، والصدارة في تصريحات الطبقة السياسية وزعامات الطوائف، وقد خرج الجميع عن تحفظهم للاحتفال بـ«الضربة»!
تمترس المحللون الاستراتيجيون الذين استولدتهم الحاجة إلى تبرير «الضربة» في استديوهات التلفزيون واحتكروا الشاشات يرسمون الخرائط وعليها «الأهداف المحتملة» في سوريا، وبعضها يكاد يلامس «الحدود» مع لبنان، ويحاولون التغلب على بطالة التقاعد واستذكار ما تعلّموه في أكاديميات العلوم العسكرية قبل أربعين سنة.
صار المذيعون والمذيعات والمعلقون من أصحاب الرأي المستولد من أحاديث المقاهي جنرالات بل مارشالات… وانساق سياسيو الدرجة الرابعة مع مشاعرهم فحددوا مواقع «الضربة» ونتائجها المدمرة، ولعل بعض الشعراء قد انفعلوا فكتبوا بالشعر الحر أو الحديث أو حتى الكلاسيكي قصائد من نوع «الضربة يا حبيبتي» أو «أضرب، أضرب.. فضربات قلبي معك»!
تقدم الساسة والخبراء والمحللون الاستراتيجيون الرئيس الأميركي باراك أوباما ليدلّوه على مواقع «الكيماوي» في سوريا، ثم تفرغوا لتشجيعه: أضرب، حياك الله! أضرب أيها البطل المخلص! لا تبقِ حجراً على حجر! هي فرصة للخلاص من هذه الدولة المشاغبة! لا يهم الكيماوي، ولا يهم النظام ورئيسه الديكتاتور! المهم أن تحرروا هذه المنطقة من هذا الوباء الذي اسمه سوريا وادعاءاتها أنها «قلب العروبة النابض»! ثم من قال إننا نريد هذا القلب؟!
لقد كان «المشهد اللبناني» مهيناً بكل المعايير. بدا الكثير من أهل الطبقة السياسية والمثقفين والمحللين والإعلاميين وكأنهم قطيع من أكلة لحوم إخوتهم! تنكروا لحقائق الحياة، وتصرفوا بخسّة، بامتهان للكرامة الوطنية، بالخروج على موجبات الأخوة بل الروابط الإنسانية، وحرّضوا بوحشية من يشتهي أن يأكل لحم أخيه نيئاً… ربما مع «تزكة» عرق، أو مع كؤوس من الويسكي الإيرلندي والنبيذ الفرنسي الفاخر، وربما استعجل بعضهم ففتحوا زجاجات الشمبانيا احتفالاً بالنصر… الذي قد يكلّف لبنان دولته وما تبقى من وحدة شعبه!
نفهم أن تكون بعض القوى السياسية في لبنان، وحتى بعض «الجمهور» فيه، ضد النظام الحاكم في دمشق، ومع تمني إسقاطه أو العمل لإسقاطه بذريعة «إنقاذ سوريا من الديكتاتورية أو هيمنة الأقلية، سواء أكانت سياسية أو طائفية»..
لكن الحرب على سوريا، بشعبها مهيض الجناح، الموزع على مخيمات اللجوء في داخلها أو في المحيط القريب، أو الواقف على أبواب السفارات في انتظار الشفقة والرحمة بمنحه تأشيرة دخول إلى أية دولة لا تطارده فيها الطائرات أو المدفعية أو أحكام الإعدام التي ينفذها أمام الشاشات «المجاهدون» الأفغان أو الشيشان أو الوافدون من أقطار عربية بعيدة مثل تونس وليبيا ومصر والسودان، أو السعودية واليمن.
إن ذلك القتل بدم بارد لا يختلف كثيراً في مضمونه عن التلهف لإقدام بطل تحرير الأمة باراك أوباما على توجيه «ضربة» إلى مواقع تتوزع على أنحاء سوريا جميعاً… مع تبرير ضمني لهذه «الضربة» بأن إسرائيل لا تستطيع القيام بها، مراعاة لما تبقى من الشعور بوحدة المصير بين السوريين وسائر الشعوب العربية!
… ولقد جاء وزير خارجية أوباما بنفسه إلى إسرائيل معتذراً عن التردد ثم الإحجام عن توجيه «الضربة»، «واعداً» بالعودة إلى تنفيذها، إذا تمنّع النظام في دمشق عن تدمير سلاحه الكيماوي تحت إشراف دولي أو تسليمه إلى من يعرف كيف يستخدمه وأين، تيمناً بالتجربة الأميركية!
ومن أسف أن المسؤولين في الكيان الإسرائيلي، وكلهم سفاح، كانوا متفهمين للعذر الأميركي في تأخير «الضربة» أكثر من العديد من أهل الطبقة السياسية في لبنان، فضلاً عن الطوائفيين والمذهبيين والخبراء الاستراتيجيين المستعدين للعمل مع أبطال «الضربة» كمخبرين أو «كشافة» أو «طابور خامس» لتدمير سوريا.
إلى جهنم كل الديكتاتوريات، ولكن الاحتلال الأجنبي، أو الاستعانة بالجيوش الأجنبية للتخلص من حكم فاسد يذهب بالدولة ووحدة شعبها. وهذه هي الأمثلة أمامنا من ليبيا إلى اليمن، وقبلهما العراق الذي لا يزال ينزف دولته ووحدة شعبه… ولم تكن «الضربة» الأطلسية في ليبيا، والأميركية من دون طيار في اليمن، والأميركية بالطيران والصواريخ عابرة القارات في العراق، لخير هذه الدول العربية وشعوبها، بل انها ذهبت بتلك الدول وبالوحدة الوطنية لكل شعب من شعوبها.
إن هدف هذه الكلمات الدفاع عن لبنان ووحدة اللبنانيين وسلامة كيانهم ودولته.
إن لبنان يعاني من أزمات خطيرة، سياسية واقتصادية وأمنية وإنسانية، جراء الحرب الأهلية التي تكاد تلتهم سوريا.. وليست الولايات المتحدة الأميركية بحاملات طائراتها وصواريخها بعيدة المدى كاريتاس أو جمعية خيرية، ولا قيادتها من أهل الشهامة الذين يهبّون لإغاثة الملهوف.
«الضربة» ستصيب لبنان أيضاً… فقليلاً من العقل أيها الراقصون في جنازة الأشقاء، ومن أجل هذا الوطن الصغير والجميل أولاً وليس من أجل سوريا التي من البديهي أن نعتبر أي عدوان عليها عدواناً علينا في لبنان.
وليس ثمة عدوان صديق أو حليف، ومن يطلب تدمير سوريا أو يتمناه هو عدو للبنان قبل أن يكون عدواً لسوريا وشعبها الشقيق.

Exit mobile version