طلال سلمان

الشك..والمطلق!

 زاهدون في العنب، نُعتق زجاجات خَمرنا…

إذا مزجنا اللونَ الأحمر بالأزرقِ نحصلُ على اللونِ البنفسجيّ .. أو ربّما الأخضر، ضع الفرشاةَ بين يديك حتّى ولو لم تمسّها في حياتِك كلّها وراقِب اندماج الألوانِ معًا بعينِك هذه.

 ومن أنا، لأقولَ ما أقولهُ الآن؟!

إذ أنني أملكُ الليل، ولا أملكُ صبحهُ، أحملُ القصيدة، وأنسى نشرها، أحبُ النّايَ وأكره القصب، أنا لاعبُ النرد سيء الحظ و”السُمعةِ” على حَدٍ سواء، فمن أنا لأقولَ ما أقولهُ الآن؟!

من المحزن إننا من منطقة جغرافية تسمى الوطن العربي والذي هو الأعلى معدل حول العالم بالمشاكل والآلام والنكبات ..

تستيقظ على قصة امرأه عراقية رمت أولادها في الماء، شباب اردنيون اغتصبوا طفلاً، مراهقون سوريون اغتصبوا ابنة خالتهن، أردني اغتصب كلبة، فلسطيني ذبح أخته، مجموعة مصريين اغتصبوا وحدة وما تحاسبوا، ثورات توقد شعلتها من جديد ويكثر من يطفئها، حرائق، سيول، حروب و انفجارات، قصف، نهب وسرقة، وجوع، الكثير من الجوع .. والمأساة الأكبر أننا نصل لمرحلة اللامبالاة بكل ما يجري ..

وإن اصلاح أية ايديولوجية في هذه المجتمعات أصبح شيئاً من المستحيل،

شيء ما يجبرنا على اختيار الصمت، مع فشلنا في الإلتزام بالاختيار هذا في معظم الأوقات ..

نختار الصمت، كلّما سكَبنْ الأمهات صحون الفقر، لعشاء الأطفال

نختارُ الصمت، كلّما أتعبنا تعب المتعبون وهم يركبون الباصات المُتعِبة، كلّما سقطتْ وجوههم من النوافذ وتركوها.

ونختارُ الصمت كلّما عاد الموتى الى ذاكرتنا، كلّما ابتسموا لخوفنا منهم، وحين نرتدي قمصان الحزن صباحاً، ونشرب فنجان الحزن الصباحي، وننسى أن نغسل وجوهنا من آثار حزن البارحة.

نختارُ الصمت، حين نرى معاصر العجز الكثيرة في الشوارع، تعصر الناس .. وتُنتِج “زيت عجزي” نخبّ أول.

نختاره كلّما كمّمَ الغضبُ أفواهنا، وأرغمنا على الصراخ باتجاه الداخل وكلّما تيبّست القلوب والعقول والكلمات.

وكلّما رأيتهم يبيعون في السوق .. شعوراً مجفّفاً، وفكرة مجفّفة وشعارات مجفّفة

نختار الصمت، حين نسرق ساعة واحدة في النهار، لنتكلّم بها عن أنفسنا للآخرين.

ونختار الصمتُ كثيراً … إذ إنه أبلغُ من الألم.

واحد زائد واحد لا يساوي بالضّرورة اثنين،

ما تقرأه في كتابٍ للأحداثِ التّاريخيّة من الممكنِ أنّه لم يحدث في كلّ التّاريخِ أصلًا!

قد أكون الآن أختلق الأكاذيب، ليس من المفترضِ بك أن تصدّق ما أقوله لك،

 من بحوزتِه الحقيقة؟ أنت؟ أنا؟ بل لا أحد!

حسنًا .. أنا شَخصٌ غير عاقل، والمجانينُ أحرارٌ فيمّا يقولون، بيد أن اللاعقلانية هي الطريقة الوحيدةُ “المُصرحُ بها” للانسجام مع فوضى الواقع ، إلا أنها لا تُخلد أسماء من انسجموا بفضلها !

مُجددًا، أنت أحمق، وأنا مجنون، أرى في حيلة مُجدية لوقاية اسمي من اللائحةِ السوداء.

أنت أحمق ..

كم مرةً ارتديتَ يا هذا حذاء السندبادِ ولم تُسافر، فمَعرفتك مُصممَ بُرجِ ايڤل لا يعني وصولك باريس، وشتمك للقضبان لا يَجعلكَ حُرًا، إنما أنت سجينٌ لم يقبل الانسجام فحسب،بل برغم كل هذا أجدُ في الصدرِ تنهيدةٌ تُثني عليك، آهٍ كم أنتَ أحمقٌ ورائع!

وأنا مجنون ..

يقولون أنَّ خير الكلامِ ما قل ودل، وأقولُ أنَّ خيرهُ ما كَثُرَ وندر، كإلتقاء عالمين على خارطةِ طينٍ مجنونة، أو كتفنيد أصولِ الموت، فقد يأتي الموتُ عجولًا أو رحيمًا، وربما يأتي كسولًا وببلادة، والندرةُ أن يأتي الموتُ دونَ أن يستحقَ دموع أحد، وحدهُ الكلامُ عن الموتِ يَفتح صدورنا للحياة، فنتقدم.. لنكتشف أن أقدامنا خادعة خانتنا لمضاجعة المسافة.

والمُشكلةُ أننا لا نُخدع، بل ندعي ذلك!

من أنا حتى لا أقول ما أقولهُ الآن!

أنا كَسوري قلبي على سوريا، وقلب سوريا على أبخازيا.

إن أكبر دليل على نجاح السياسة الخارجية السورية هو رغبة السواد الأعظم من الشعب بالهجرة.

فلديهم خدمات التوصيل والشراء على الإنترنت، ولدينا الطوابير،

 لكل نظامه، ونظامنا الفتوة لو أوقفنا العمل به في المدارس.

والبنزين رفاهية لا داعي لها، صار الناس يتنزهون في حديقة رئاسة مجلس الوزراء، دليلًا على قرب القيادة من الشعب.

والشرق هو اليمين، والغرب هو اليسار، لذلك نحن على حق دائما لأن الله يحب أصحاب اليمين.

ووفقًا لخطيب الجامع القريب مني، فإن سبب انتهاء راتب الموظف في أول أسبوع من الشهر هو قلة البركة لقلة شكر العبد به على النعم.

حتى إقطاعيو البلاد، أقصد سليلي الإقطاع، لا مُحدثي النعمة، نَوَرٌ ولا يليق بهم إلا الربط، المشكلة في العقول، لا في الحالة الاقتصادية.

وأهم مشعر لانعدام الفقر في سوريا هو أن معدلات الزواج تتضاعف سنويا، لأن) البسط (الي بالي بالك) أهم من الاستقرار.

فإذا لم يدفعك الحب إلى إعادة حساباتك، وتغيير نظرتك لنفسك وللأشياء، فلم تتعلم بعدُ أن تحب سواك.

أهل الحب صحيح مساكين … صحيح مساكين.

ما زلت كائنًا غير مرئيٍ للمجتمع، وهذا ما يجعلني قادراً على البوح بمستوى أعلى قليلًا من البوح المتاح رقابياً بالمعنى الأصح، ما زلت أنطوي على حريتي، لتنطوي هي بدورها علي، ما زلنا ننشد عناقًا ملائمًا لبعضنا، على سهو من حفاة الليل، من قناصي الفرص!

لأحصل على قبرٍ مناسب!

أليسَ من المُمكنِ أنّ قابيل وعلى الرّغم من خطيئتِه لم يكن شرّيرًا؟ أو أنّ قطّةً ما هي الّتي أسقطت التّفاحة فوق رأسِ إسحاق نيوتن لا الجاذبيّة؟ ماذا لو أنّ أحدًا لم يصعد إلى القمرِ يومًا وأنّ كل تلك الصّور والأخبار…محضُ هراءٍ مثلًا؟

انظر إليّ! افعل ذلك الآن

        لمَ عليك تصديقي؟

لمَ قد يخيل إليك أنّني على صواب؟

إنّ الشكّ هو العقيدةُ الوحيدة الّتي عليك اتّباعها قبل كلّ شيء، والمُطلَق خُدعة تؤمّن لنا ارتياحًا مؤقّتًا فقط.

Exit mobile version