طلال سلمان

الشعوب تواجه الذهب الأسود: السودان سينتصر على العسكر..

توضح التطورات السياسية الخطيرة التي تشهدها أقطار مختلفة من الوطن العربي أن ثمة قراراً دولياً تتولى تنفيذه العروش المن ذهب أسود وغاز أبيض باغتيال فكرة الثورة واحتمالات نجاحها في أي قطر عربي..

فأعداء الأمة يعرفون أن الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي فاسدة ومفسدة، لا يهم أن تكون “جمهورية” أو “ملكية” أو حتى مجرد “إمارة”، فالمهم ما تختزنه أرضها أو مياهها من نفط أو غاز، وكلاهما يدر على حكامها ثروات خرافية…

صحيح أن نصفه يأخذه الشريك المفوض، وهو الأميركي غالباً، ونصفه الآخر الأسرة الحاكمة مع رمي أقله على الرعية لتثبيت ولائها، ومنع الانشقاق في العائلة بتواطؤ مع “الخارج” لخلع السلطان القائم واستبداله بأخيه أو بإبنه أو “بالأقرب” او “الأطوع” للاستعمار “المدني” الذي يتحكم بالثروة، تصريفاً وأسعاراً.

ولكن الصحيح أيضاً أن “الشعب” لا يصله إلا الفتات..

مؤخراً فقط، وعبر انقلاب علني تحت عدسات التصوير، خلع الأمير محمد بن سلمان ابن عمه الأمير محمد بن نايف، ديمقراطياً، وهو جاث على قدميه ، لينفرد بالسلطة، تحت رعاية والده الملك سلمان بن عبد العزيز مطلقاً خطته 2030 التي اعدتها بيوت الخبرة الأميركية لتحديث نظام الأسرة في مملكة الصمت والذهب.

ولقد اجتهد هذا الأمير المغرور، والطامح إلى التقدم بواسطة الدكتاتورية، أن يقدم بعض الرشى لرعاياه، كإعفاء النساء من الحجاب والسماح لهن بالعمل والتجول في الأسواق، وباشر افتتاح بعض المدن والمستوطنات المبنية حديثاً للسياحة، واجتهد في طمس مسؤوليته المباشرة عن اغتيال الكاتب جمال خاشقجي وتقطيع جثته وإخفاء ما تبقى منها في غابة بعيدة، تمهيداً لإعادتها إلى “الأرض المقدسة”.. وكذلك عن اختطاف رئيس حكومة لبنان سعد الحريري واحتجازه، بعد إهانته وضرب مرافقيه وتعذيبهم، وعدم إطلاق سراحهم إلا بعد وساطة وتمنيات من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي كان حينها ـ مصادفة ـ في زيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

اليوم تتآمر أبو ظبي، الدولة العظمى مع الإمبراطورية السعودية على الانتفاضة الشعبية المجيدة في السودان، وتحرض قادة الإنقلاب العسكري فيه على هذا الشعب الفقير والمناضل والذي طالما قدم الشهداء في الداخل أو على حدود مصر مع الكيان الاسرائيلي..

ومن حق شعب السودان أن يرفض الفوقية والنزعة الإمبراطورية والرغبة في الهيمنة التي تمارسها ضده دولة الإمارات العربية المتحدة التي لا يشكل سكانها ضاحية من ضواحي الخرطوم، والسعودية التي تحاول إذلال فقراء العرب بثروتها النفطية الهائلة التي لا فضل للأسرة الحاكمة فيها.

ويمكن أن يتعامى الناس عن البطر وتبديد الثروة واحتكار السلطة والبطش بالأهالي (والعاملين في بلاد النفط)..

ويمكن أن يتجاهلوا الجرائم بعنوان اغتيال جمال خاشقجي (والجرائم الأخرى التي طمست ولم تعرف تفاصيلها)..

لكن محاولة اغتيال مستقبل شعب مناضل يأكل من ناتج عرق جبينه، مثل شعب السودان، لا يمكن أن تمر..

ولسوف ينتصر شعب السودان على الطغيان الداخلي كما على محاولة أهل الثروة من اهل النفط العرب في السعودية ودولة الإمارات،

ولسوف يستعيد بلاده من “مستعمريها الجدد” بذريعة الاستثمار فيها، ويجتهد في بناء مستقبله الأفضل بجهده وعرق جبينه..

وشعب السودان مناضل عريق، ولقد حاول مرة بل مرات أن يستعيد قراره في وطنه، ولسوف يحمي قراره ولو بالدم، وينتصر على الانقلابيين ومن يدعم بالرشوة من الخارج الذي كان أولى أن يحترم الأخوة ويعمل وفق أصولها بدل أن يتصرف كمستعمر جديد أقسى وأغلظ قلباً من المستعمر البريطاني القديم..

لطالما انتصر هذا الشعب على الطغاة من الانقلابيين والأباطرة، ولسوف ينتصر مرة أخرى، وهو الشعب الصابر على الضيم والجوع، لكن للصبر حدوداً، وها قد حانت لحظة التحرر من الدكتاتورية والتدخل الخارجي والجوع معاً.

Exit mobile version