غزة ـ حلمي موسى
تستمرّ الحرب على عنفها، ورفح ليست بعيدة عنها. ربّما يكون القصف في رفح أقل مما هو عليه في خانيونس أو في مدينة غزة وشماليها، ولكن الشهداء يسقطون هنا أيضا.
يوم أمس، سقط حوالي عشرين شهيدا في رفح. وقد استهدف الاحتلال مواقع على مقربة شديدة من الحدود المصرية، كما قصف عند أطراف رفح من جهة خانيونس، فضلا عن استهداف بيوت داخل رفح.
ولكن ما يضني النفس في رفح أكثر من القصف حتى، هو وضع من بقوا في العراء أو في خيام مرتجلة لا تردّ مطرا ولا رياح. كان الله بعون الناس، خصوصا من تبقوا في العراء أو ما يشبه العراء، في خيام لا يدل عليها سوى اسمها.
وبحسب ما يتوفر من معطيات، تتكاثر في صفوف النازحين الأمراض المعهودة في الشتاء بسبب البرد. وبحسب المستشفيات، أو ما تبقى منها، فإن شكاوى المرضى هي بالآلاف، خصوصا بين الأطفال، وهو ما يضيف الى مجموعة المشاكل التي تواجه النازحين أبعادا جديدة.
إلا أننا كلنا ثقة بأن من صمد وأفلح في مواجهة الموت والقذائف والخوف، سوف يصمد أيضا امام كل الظروف القاسية وسينتصر لنفسه ولحقوقه. وكلنا أمل أيضا بأن النصر قريب…
جولاني والشجاعية
يعتبر لواء جولاني أحد أهم ألوية مشاة الجيش الاسرائيلي وأشدها بأسا. وقد انشأت اسرائيل على امتداد حروبها الطويلة، نوعا من الأساطير والمنافسات بين ألويتها، خصوصا بين فرق المشاة. وكان قصب السبق يذهب غالبا إمّا للواء جولاني او للواء المظليين الذي كان في الماضي صاحب الخبرة الاطول في الإجرام.
وطوال عقود، كان الحديث عن لواء جولاني وكأنه الدرع الواقي والقادر على أداء المهام الأصعب. وخضع لعمليات تطوير بحيث غدا لواء مشاة ميكانيكي، يستند الى أرتال من حاملات الجنود المدرعة والمدفعية الخفيفة. كما تم تطوير كفاءاته باستحداث كتيبة فيه سُمّيت بـ “سييرت جولاني”، وهي كتيبة تدخل سريع على نمط الكوماندو.
ويتم نقل هذا اللواء من منطقة الى أخرى بحسب متطلبات المعارك، خصوصا في الأوضاع الصعبة.
وهو ليس لواءً بالمعني العسكري، بل هو أقرب الى الفرقة من جهة العدد وعدد الكتائب النظامية والاحتياطية.
وعندما يقال لواء جولاني يُفهم أن الوضع شائك ويتطلب الجنود الأكثر مهارة وجرأة للتعاطي معه.
وكان ذلك هو الحال تقريبا في كل الحروب من الخمسينات حتى الآن، مرورا بحرب لبنان، حيث خاض هذا اللواء معارك كثيرة أهمها معركة قلعة الشقيف.
وفي غزة، للواء جولاني تجارب عدة من زمن الاحتلال قبل اتفاقيات اوسلو وبعدها.
غير أن قصة لواء جولاني في حرب العام ٢٠١٤ كانت مميزة مع حي الشجاعية.
حينها، وصلت قوات جولاني بمدرعاتها لتحسم المعركة في الشجاعية فاصطدمت بالمقاومة التي دمرت القوات المتقدمة وأسرت شاؤول اورن الذي كانت إسرائيل قد أعلنت أنّه قتيل غير معروف مكان دفنه.
لكن معركة الشجاعية هذه صدمت ليس فقط لواء جولاني بل كل ألوية جيش الاحتلال، خصوصا ألوية المشاة.
واستخلصت اسرائيل جرّاء ذلك وجوب الحذر من استخدام المشاة والاضطرار للعودة الى سلاح الدبابات.
ومعروف ان سلاح الدبابات يضعف سرعة الحركة المطلوبة في نظرية الحرب الاسرائيلية المستندة الى السرعة والحسم.
وقد شكّلت الشجاعية وبسالة مقاوميها نوعا من الصدمة “المرعبة” لألوية المشاة الاسرائيلية وخصوصا للواء جولاني.
وخلال الحرب الحالية، فإن نداءات قادة المنطقة الجنوبية وقادة لواء جولاني لجنودهم التي تحثّهم على القتال في الشجاعية تشهد على ذلك.
فالرسائل والتصريحات كانت تحث مقاتلي جولاني على الانتقام لرفاقهم من جولة العام ٢٠١٤. وكانت تحثهم على استعادة الردع واثبات قدرات لواء جولاني التي حامت حولها الشكوك بسبب ما جرى في العام ٢٠١٤.
وصلت قوات جولاني هذه المرة الى الشجاعية بعد تدميرها بشكل شبه تام ، وأضحت كأنها ارض محروقة. وحاولت قوات هذا اللواء تكرار مقولة “ها قد عدنا اليك” والتباهي بالدخول اليها بعد قصف الدبابات.
لكن الشجاعية أو ركامها، كانت بانتظارهم. جاء جنود العدو للانتقام، فكان الانتقام الحقيقي بانتظارهم. فالشجاعية لا تنتقم لشهدائها وحسب، وإنما لمبانيها وتاريخها ولكل شهداء ومباني وتاريخ غزة.
وقد أقرّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل عشرة عسكريين وإصابة سبعة آخرين بجراح الليلة الماضية في المعارك الدائرة في الشجاعيّة، وقال إن معظمهم ضباط وبينهم قائد فرقة في لواء جولاني.
واعترف الجيش بداية عن مقتل ثمانية من بينهم قائد كتيبة، بالإضافة لقائد فصيل في الكتيبة. وقال في بيان إن العسكريين الثمانية قتلوا في اشتباك وكمين نصبته “كتائب عزالدين القسّام” في حي الشجاعية في مدينة غزة.
ولاحقا، أعلن جيش العدو عن مقتل عسكريين إضافيين أحدهما قائد في لواء “يفتاح” برتبة عقيد في معارك الشجاعية أبضا.
وقصة الشجاعية مع جولاني هي قصة تتكرر في جباليا وبيت لاهيا واحياء الزيتون والدرج والشيخ رضوان والمخيمات في الشمال وكذلك في خانيونس وشرقيها واحيائها وكل مكان تدخله قوات الاحتلال. فالحساب مفتوح ومن يضحك هو من يضحك في النهاية.