الانتخابات مؤجلة، يمكن الاستعاضة عنه. لن يعدم “قادة” الطوائف وسيلة لإيجاد تسوية، فالطوائف تنحر ولا تنتحر. نحروا الدستور والقوانين، استغلوا الفراغ وملأوه بالانتظار، وظل لبنان قيد الحياة، بدليل استمرار الفساد وبلوغه حدود التخمة.
لا خوف على تمثيل الطوائف، هذه احتكرت التمثيل منذ بدء الكيان. لبنان صُنع من اجلها. العلمانيون ضيوف على الكيان، اليسار لا علاقة له بالتمثيل، المواطنون المدنيون اللاطائفيون، لاجئون في هذا البلد. عليهم “واجب الشكر” لقادة الطوائف، لأنهم يسمحون للعلمانيين بالتعبير والكلام والغضب.
الخوف ليس على الطوائف ابداً ولا على حصصها، ولا خوف على صحة التمثيل ابداً. الخوف على “نقاء التمثيل”، بكل ما في هذه العبارة من عنصرية. فنقاء التمثيل شبيه بالنقاء العنصري. وعليه، فان نقاوة التمثيل تفرض أن تلتحق كل عنزة بقطيعها الطائفي، وان ينتخب الطائفيون اولاد طوائفهم، ولو كانوا عباقرة في الارتكاب المالي والحقوقي والسياسي، وهم كذلك من زمان.
المشكلة ليست في اجتراح قانون انتخابي. المشكلة في الطائفية، والطائفية غول لا يشبع. عندما تستقوي طائفة في البلد، تمد يدها على طوائف تتسكن معها اكراها. السنة مطمئنون إلى أن تمثيلهم مبرم ومتخم بغير السنة. الشيعة كذلك. الدروز ايضاً وأيضاً. الموارنة يريدون استعادة حقهم ليأتي التمثيل المسيحي مبرماً. “كما أنتم نحن”. القانون الأرثوذكسي المعلن او المستتر او المتسلل، هو بيت القصيد.
جبران باسيل يخوض حرباً صليبية مارونية لانتزاع التمثيل الحصري للموارنة والمسيحيين، معهم. الثنائي المسيحي يطمح لان يتشبه بالثنائي الشيعي، وبالوحدانية الدرزية والاحضان السنية، وعليه، فان ما عرضه باسيل يضمر نقاء التمثيل، بادعاء صحة التمثيل. ويحاول بموازين قوى جديدة، أن يجرد السنة والدروز والشيعة من حمولة مقتنصة بقانون الستين.
هذا ليس جديداً. لبنان عرف انظمة انتخابية عديدة، وكل قانون، منذ التأسيس، كان لخدمة غرض سلطوي. في العام 1951، اختلف الزعماء اللبنانيون على قانون الانتخاب. في عهد كميل شمعون، عرف لبنان قانوناً خاصاً بكميل شمعون. انفجر البلد. فؤاد شهاب عدّل القانون في العام 1960. قانون الستين هذا، لم يكن على قياس طموح الرئيس، لتبديل الطبقة السياسية، فأتت الطوائف اقوى من الرئيس. حوّرت “الستين” لصالحها. وبعد الطائف عرف لبنان تقسيمات لدوائر غريبة عجيبة، كلها كانت مفلسة وطنياً وهجينة ديموقراطياً وغير جديرة بالاحترام. كانت المجالس تدار بالرموت كونترول السوري. بعد الانسحاب، فشل اللبنانيون في صياغة قانون انتخابي “عادل وتمثيلي”. احتاجت الانتخابات إلى “دوحة” عدّلت الستين، وظل التمثيل سيئاً إلى درجة بات من المتعذر التخلص من مجلس يجدد لنفسه مرتين والثالثة قادمة.
المشكلة أن لا قانون يريح الطوائف ويعدل في ما بينها، ولو كان الوطن مظلوماً، وأبشع انواع الظلم، هو فرض التقسيم الانتخابي على الجسم المنتخب من خلال حصرية الصوت لمنتخب بالمرشح المناسب طائفياً… هذا انقلاب على الصيغة التي آمنت بأن يكون لبنان مرشحاً ليكون دولة مدنية لا طائفية. قديم هو وعد العمل لإزالة الطائفية. مهمل الطريق الذي تقدم به اتفاق الطائف. لم يلتزم به أحد. بعد أكثر من ربع قرن، لم يوفر امراء الطوائف مناسبة، للاقتراب من الغاء الطائفية السياسية، كما نص الطائف.
هذا هو لبنان، كما يريدونه. اين هو لبنان الوطن؟ اين هم العلمانيون؟ أين هم التقدميون؟ اين هم اليساريون؟ أين هي النقابات؟ أين الجامعات؟ أين الإعلام المضاد؟
بكل اسف، هذا البلد لمن يستحقه. الطوائف استحقت هذه الدولة واستباحتها، وليس من حق الغائبين الواردين اعلاه، أن ينتقدوا الطوائف التي ناضلت نضالاً مستميتاً، كي يكون لبنان على قياسها، وليس على قياس وطن ومواطنين.
عندما يئس المسيح من أتباعه لعنهم: “هو ذا بيتكم يترك لكم خراباً” وبالاستعارة يقال: “هو ذا لبنانكم يترك لكم خراباً”.