طلال سلمان

السياسي الذي ظل إنساناً

فقد لبنان واحداً من رجالاته ممن لم تفسدهم السياسة برغم أنه أمضى معظم سني حياته في العمل السياسي هو الرئيس الدكتور أمين الحافظ.
فلقد ظل «نظيفاً» وظل «نزيهاً» وظل في موقع «العالم» ولم ينحدر إلى المماحكات مزايدة ومناقصة، وظل وهو «الخبير» أقرب إلى موقع «قاضي الشرع» الذي كانه والده في القدس منه إلى مسخر علمه وكفاءته للصفقات وأصحاب الصفقات.
وبالتأكيد فإن شريكة عمره الأديبة الراحلة ليلى عسيران قد ساعدته كثيراً على أن يظل «إنساناً» وأن يظل أقرب إلى أهل الأدب والفن منه إلى محترفي السياسة، خصوصاً أنه كان يملك صوتاً جميلاً، وكان يهزه الطرب الأصيل، بقدر ما كان يعشق الشعر… من هنا تحول بيتهما إلى خميلة يتلاقى في أفيائها الأدباء والشعراء والفنانون، فضلاً عن نخبة مختارة من أهل السياسة والاقتصاد.
وفي منزل أمين وليلى كنا نلتقي أمثال الراحلين أحمد بهاء الدين وغسان كنفاني ومحمود درويش والرسام المبدع بهجت عثمان، وبعض كبار أهل الفن والصحافة والأدب.
.. وحين مرضت ليلى مرض معها أمين، فلقد كانا مثل طائري الحب، يفرحان معاً، يتألمان معاً، يحبان الجمال والخير والفن والأدب معاً.
لم يكن في حياة أمين الحافظ ما يكدر صفوها إلا مناورات السياسيين وألاعيبهم التي لم يعرفها ولم يقبلها مرة… وهو قد دفع ثمنها غالياً حين رشح لرئاسة الحكومة، في أعقاب الإنذار الأول بالحرب الأهلية ممثلاً في اغتيال إسرائيل القادة الفلسطينيين الثلاثة أبو يوسف النجار وكمال عدوان والشاعر كمال ناصر.. حينها استنفرت الطبقة السياسية قواها ووقفت سداً في وجه وصوله إلى سدة الحكم.
رحم الله أمين الحافظ الرجل الذي دخل المخبر السياسي وظل نظيفاً، وفي غابة أهل الصفقات ظل عفيفاً، وفي غمرة الانهيارات النفسية ظل ابن طرابلس كما هو ابن القدس وابن صيدا والزهراني والجنوب كما ابن بيروت وكل لبنان، ومصر وسوريا وكل العرب.
والعزاء في رمزي أمين الحافظ الذي فيه من أبيه مثل ما فيه من أمه ليلى عسيران التي غابت عنا وظلت في الوجدان.

Exit mobile version