طلال سلمان

السلطة وإشتباكاتها..والخطر الإسرائيلي!

على امتداد الزمن الانتخابي الذي استطال اكثر مما يجب، فقدت السلطة بعض ما عندها من رصانة »المرجعية« و»الحكم«، وتبدَّت »طرفاً« مشتبكاً مع سائر الاطراف المتنافسين على المقاعد النيابية (بوهم ان تلك أقصر الطرق لمشاركة في »سلطة المستقبل«!)
قالت السلطة: ان تلك كانت مساهمتها المتواضعة في انعاش الديموقراطية!
وقالت السلطة: انها كانت تريد ان تؤكد، وقد اكدت، انها انما تحكم »بالارادة الشعبية« وليس كقوة وافدة او مفروضة بقوة النفوذ او بوهج المال او بقانون الضرورات الذي يبيح المحظورات!
تعزيزاً للديموقراطية، وتوكيداً لعمق ايمان اهل السلطة بها، اشتبكت السلطة، رؤساء ووزراء ونواباً (ما زالت سياراتهم تخطر باللوحة الزرقاء والحرس بالقبعات السوداء او الخضراء او الحمراء، وربما بالالوان جميعاً…) مع معظم اللبنانيين،
اشتبكت السلطة في الجبل حيث كانت اللوائح الاساسية معقودة الالوية للوزراء (الا في جبيل التي لا يمثلها في الحكومة احد).
واشتبكت السلطة في الشمال مع العديد من القوى بعضها كان متهماً بالتواطؤ معها!
اما في بيروت فكان الاشتباك اخطر لان رئيس الحكومة شخصياً كان على رأس اللائحة في معركة تتماهى فيها شخصية المرشح الرئيس مع الرئيس المرشح..
واشتبكت في الجنوبين برغم الائتلاف الاضطراري او المفروض، او من فوقه او من تحته، سيما وان رئيس اللائحة الخصم هنا ايضاً كان طرفاً اساسياً في السلطة، وواحداً من ثلاثة اضلاع الترويكا التي تجسد الايمان العميق بالديموقراطية ودولة المؤسسات.
واشتبكت السلطة في البقاع، حيث وصلت الديموقراطية المستنبتة حديثاً محمولة على »محدلة«، فسحقت المحافظة الى اقضية، والناخبين الى طوائف، والطوائف الى عشائر و»سياد« و»عامة«، فاذا الضياع مطلق، واذا الانقسام بعد الاقتراع اعمق واخطر!
لقد اشتبكت السلطة مع نصف المقترعين، على الأقل، او بالدقة مع كل من لم يقترع لمرشحيها، رؤساء ووزراء ونواباً محصنين داخل »الخط الأحمر« النقال من جهة الى أخرى، ومن اسم الى آخر، من دون سابق انذار.
أي انها اشتبكت مع العديد من القوى السياسية والهيئات النقابية والتيارات الشعبية فاستخصمتها ارادياً او عفو الخاطر، او تركتها تستدرجها فتلزمها بموقع الخصم، او انها هي من فرض عليها الخصومة.. الحادة، وعلى طريقة »اما أنا وإما هم«، و»يا قاتل، يا مقتول«، او »اذا متُّ عطشاناً فلا نزل القطر« (وهي المعادلة العربية للمقولة الملكية الفرنسية »انا ومن بعدي الطوفان«).
الآن، وقد انتهى الزمان الانتخابي هل انتهت او انتفت »ضرورات« الاشتباك الداخلي!!
ان السلطة »منتصرة« بافضال الديموقراطية بأكثر مما كانت تقدِر او تقدِّر او تتمنى او تحلم، واقطابها اضافوا عطلة اجبارية الى عطلة الشهور الانتخابية لتقبُّل التهاني والتبريكات ولتسجيل الأرقام القياسية التي احرزوها في »موسوعة جينيز«.
اما الناخبون، من اقترع للسلطة واهلها ومن لم يقترع لها ولهم، فلسوف يستفيقون بعد هيصة التهاني والتبريكات على واقعهم ذاته: انهم الآن ما زالوا والأرجح انهم سيبقون حيث كانوا قبلها.
انتهى موسم التزفيت الانتخابي، خصوصاً وان »المحدلة« قد أدت وظيفتها الديموقراطية كاملة ولها الآن ان تهدأ وترتاح،
لم تعد ثمة ضرورات لاحتفالات قص الشريط الوهمي عن المشاريع الوهمية،
توقفت طاحونة الكلام المعسول والتطمينات عن المستقبل السعيد،
جاء موسم دفع الأقساط واللوازم المدرسية،
بدأ التفكير بفاتورة المازوت وثياب الشتاء،
أخلى المرشحون طريق دمشق للمواطنين الذاهبين للتسوّق الرخيص (الحقائب واللوازم والأقمشة اللازمة للثياب المدرسية) هرباً من تجّارهم في بيروت و»الملحقات« الذين يرفضون »كسر« المستوى الأوروبي لبضائعهم الممتازة!
ازدحمت أبواب أهل السلطة بالمواطنين البسطاء الآتين لتسوّل منح مدرسية لأولادهم، سواء أكانوا متفوقين أم عاديين، لأن العلم غالٍ في لبنان، فالمدارس الخاصة أغلى من »فنادق الخمس نجوم«، والجامعات »تقبض« ثروات لتخريج أفواج جديدة من العاطلين عن العمل (اختصاص نادر!!).
ضمن هذا الوضع الداخلي المأزوم لأسباب متعددة بينها الاجتماعي والاقتصادي ثم السياسي، لا يجوز أن تستمر السلطة منخرطة في اشتباك لا موجب له وأسبابه موهومة مع بعض شعبها ممثلاً بقوى أو شخصيات »معارضة«.
وهو اشتباك متعدد الجبهات وأبرز عناوينه الراهنة: الإعلام المرئي والمسموع!
لكأن السلطة المحصَّنة الآن »بثقة الشعب« وأصواته (بعشرات الألوف) لا تريد أن تسمع صوتاً، أو نأمة، أو همسة توحي بالاعتراض على ما تقرّره فتفعله أو على ما ترفض فعله من دون تبيان أسباب رفضها!
لكأنها تريد أن تكون سلطة مطلقة باسم النظام الديموقراطي البرلماني، في آخر طبعاته المنقحة والمزيدة: »طبعة المحدلة«.
لماذا هذه المعارك الوهمية، والإصرار على تحويل المعارضة السياسية، بأشكالها المتواضعة كافة، إلى عداوات شخصية توفر لها الوقود الحساسيات الطائفية والمذهبية، فإذا البلاد مشغولة عن الخطر الإسرائيلي الذي تزمجر الآن طائراته ومدافعه في سمائنا وفوق أرضنا منذرة بمواجهة واسعة ومكلفة وقد تهدد مصيرنا جميعاً؟!
لماذا الإصرار على الاشتباك في الداخل واستعداء من لا سبب جدياً لاستعدائهم؟!
لماذا تهديد الوحدة الداخلية، الضعيفة بعد، بينما أقوى الأسلحة المتاحة هي الوحدة الوطنية في وجه العدوان الإسرائيلي الذي لا يفتأ قادة التطرف الإسرائيلي يؤكدون أنه وشيك وشامل؟!
هل ينتبه أهل السلطة، المتخمون بالنصر الديموقراطي الآن، إلى حقيقة أن للبنان كله، وللبنانيين جميعاً، معارضين وموالين، عدواً واحداً هو إسرائيل، وأنهم مطالبون جميعاً بأن ينخرطوا في المعركة التي يفرضها عليهم، لحماية مستقبلهم فوق أرضهم؟!
هل يعودون إلى مسؤولياتهم وواجبهم الوطني أم سيظلون في هذا الاشتباك السقيم الذي لا يزيدهم الربح فيه قوة أو وهجاً، بل يكشف هشاشة نصرهم الانتخابي وعدم استحقاقهم له؟!
هل ينتبهون إلى أنهم مسؤولون عن البلاد كلها، وعن اللبنانيين جميعاً، فيحاولون أن يكبروا ليصيروا بمستوى المسؤولية الوطنية بدل أن يستمروا في التصاغر ليشفوا غليلهم من هذا أو ذاك ممن اعترضوا على قرار لهم أو على رغبة… (هي في الغالب الأعم غير شرعية وغير مشروعة)؟!
هل يتكرّمون علينا فيخرجون من الانتخابات التي ربحوها ومن موقع المنافسين المهددة لوائحهم بالسقوط (؟!!) ليتفضلوا فيحكموننا؟!
… والحكم مسؤولية لا يقدر عليها إلا الكبار.

Exit mobile version