طلال سلمان

“السفير” باقية في البال وفي القلوب

مساء الخير، مساء “السفير” التي جمعتنا ولا تزال تجمعنا،
مساء الحضور والمشاركين في احياء هذه الأمسية، مساء الأصدقاء والأحبة

سأتحدث في هذا التقديم عن نقطتين:
الأولى: من ضمن المقررات الجامعية التي أدرّسها، مقرر “إخراج النصوص” لطلاب الماستر، وقد خصصتُ قسمًا من المقرر لتحليل التطور الاخراجي الذي طرأ على الصحف اللبنانية، واخترت نماذج مختارة من صحيفة “السفير” للاجراء التطبيقي التنفيذي، بحيث يلحظ الطلاب من خلال هذه النماذج أبرز المحطات الاخراجية في عمر “السفير” منذ عددها الأول إلى عددها الأخير، ولا سيما من ناحية رسم الخطوط، والعناوين، وبناء الأخبار وتوزيعها على الصفحة، واختيار الصور، من دون نسيان ملاحظة فلسفة السواد والبياض التي اعتمدتها “السفير” في سنواتها الأخيرة لاراحة نظر القارئ، ولمواكبة التحديث والتطور في عالم الصحافة.
وإذ كنت قد بدأت بتدريس هذا المقرر الجامعي منذ 4 سنوات، إلا أن هذا العام، واكبته غصة عميقة، وحرقة، وقد اختفت “السفير” من المكتبات وأكشاك بيع الصحف، ومن صباحاتنا… ولعل كل ما أرجوه من خلال عملي الأكاديمي هذا، أن أقدم مساهمتي المتواضعة في ترسيخ حضور “السفير” في ذهن أجيال المستقبل، والتأكيد أن هذه “السفير” التي اختفت ورقًا، أصبحت مدرسة.

أما ثانيًا: فإنني أذكر أنه منذ ثلاث سنوات، كنت قد تحدثت في أمسية لتكريم طلال سلمان، عن البطل القومي جلجامش الذي طرح السؤال الوجودي الصعب: كيف نواجه الموت؟ وقد تحدى الصعوبات والتحديات كافة للحصول على عشبة الخلود، إلا أنني لم أنتبه آنذاك إلى أن هذه العشبة / “السفير”، ستأتي اللحظة، وتلتهمها الحية.
بكى جلجامش عشبته، كما بكى طلال سفيره، إلا أنه وكلّ على طريقته، أدرك أن الخلود قد تحقق في ذاكرةِ التاريخ، عبر محبةِ الناس، والعمل الذي أنتجه أو حثّ على انتاجه.
طلال سلمان هو من طينةِ هؤلاء، وقد زرعَ في حديقتِه أعشابَ خلودٍ، التهمها الكثيرون، فمنهم من حلّقَ بعالمِ السياسة، ومنهم من طبعَ اسمَه في تاريخِ الأدب، ومنهم من رسمَ بريشتِه مرارةَ أمة ووجعَها وفرحَها وقلقَها وخوفَها.
ابن شمسطار، الذي يربكك تواضعُه، وتربكك إنسانيتُه، وتكبرُ في قلبِه الكبير، عندما دنا الموتُ منه في العام 1984، فوجئ بحجمِ الأرواح التي تحيطُ بروحِه، وفوجئ أكثر بهذا الكمّ من النورِ الذي كاد يفضح خطواتِه.. لم يكن طلال في ذاك التاريخ قد بلغ 46 عامًا فحسب، بل ألفَ عام وعام حملها منذ شرع برمي بذرةِ “السفير” في التربةِ اللبنانية والعربية.
احتفى طلال بالكثيرين، ودّع الكثيرين، بكى الكثيرين، وسامح الكثيرين الكثيرين..
عضَّ على جراحِه كثيراً، ليستمرَ على النهجِ نفسِه؛ نهجِ “صوت الذين لا صوت لهم”.
وأمام كلِّ جرحٍ، وتحوّلٍ شهده البلد، لم يكن يفكر بنفسِه وبعائلتِه فحسب، بل بأسرةٍ تتكون من أكثر من 200 صحافي وكاتب ومحرر ومصور ومراسل ومخرج وعامل مطبعة وموظف إداري وتقني ومنفذ، وموظف استقبال وسنترال… وكلُّ فردٍ من هؤلاء يعيلُ أسرةً.. يعني كان طلال، عند كلِّ مفترقٍ صعبٍ وخطرٍ، يفكرُ بمصيرِ حوالي ألف شخص.. بأمهاتهم وآبائهم وأولادهم وبناتهم..
اليوم نحن لا نبكي “السفير”، بل نحتفي بأنفسِنا نحن الذين واكبنا وتابعنا وعاصرنا هذه الصحيفة التي كانت لسانَ حالِنا وحالِ أهلِنا البسطاء والطيبين، وكانت ترشدُنا دائمًا إلى بوصلةِ الوطن الذي نحبّ ونريد ونحلم به، ذاك الوطن الذي سال دمُه على صفحاتِها، وارتسمت ضحكتُه على عناوينها، وأغرقت دموعُه صورَها..
اليوم نحن لا نبكي “السفير”، بل نحتفي بطلال، وبـ”السفير” التي انتقلت من عالم الورق إلى عالم الأسطورة.
طلال سلمان.. باسمِ الدكتور عماد بدران وباسمي، أرحبّ بك بيننا الليلة،
وباسمِك نرحبُ بجميعِ الأحبةِ والأصدقاءِ فردًا فردًا؛
الشعراء الأحبة جرمانوس جرمانوس، وشوقي بزيع، وطلال حيدر، ومحمد علي شمس الدين، والفنان هاني السبليني، والإعلامية فاتن حموي، والتشكيلي وسام كمال الدين.
كما نرحب بجميع الأحبة والأصدقاء والفنانين الذين يشاركوننا فرحتنا هذه الليلة.
أخيرًا.. طلال سلمان يا صاحب السياقات، والهوامش، وقال لي نسمة، والعديد من الكتب، اسمح لي أن أقولَ “على الطريق”: هذا الاحتفاءُ المتواضعُ كلُّه، لنقولَ لك: نحبك، وأن “السفير” باقية في البال وفي القلوب.

 

كلمة القيت في الاحتفال التكريم للاستاذ طلال سلمان الذي اقامه محترف “زوايا”

Exit mobile version