ينبغي تهنئة السعودية إلى مآثرها الجسيمة، دولة اقليمية كبيرة مشتبكة مع من حولها ومع نفسها. رهاناتها في بورصة الانجازات تساوي صفراً:
اليمن المقتول والمسفوك دمه يقلقها. كانت معركة أيام او أسابيع. اليمن مازال يقاوم. يموت ويقاوم، يدمر ويقاوم… لم تتعلم السعودية من درس اليمن. الخطأ مع اليمن قاتل… هل تحسب السعودية هذا الحساب؟
المعركة مع قطر لم تندلع. قادت حصاراً مبرما عليها. أنشأت حلفاً ضدها. أنذرتها بعظائم الأمور. دست لها سيرة اتهامية ارهابية. خافت قطر، ثم تجرعت جرأة نادرة وفضحت خريطة التحالف الارهابي الدولي السعودي ضد النظام في سوريا والذي انتدبت فيه قطر لتكون رأس حربة مع “داعش” ومع “النصرة”. ثم توقفت المعركة عند خط التماس القطري ـ الايراني الجديد. ولم تتعلم السعودية من فشلها.
الفتنة التي كانت تعدها للبنان أُسقطت بالضربات اللبنانية الذكية، وبعاصفة هادئة من التدابير الآمنة. لم تنجح في جر لبنان إلى فتنة. سعت الى ذلك عبر الامساك بورقة جبهة عرسال ورأس بعلبك. عملت المستحيل لصرف هذه الورقة. سبقها “حزب الله” إلى الجرود. ختمها الجيش اللبناني برغم امتناع اميركا والسعودية ومحاولة تأجيلها. فشلت في تحريك المخيمات، غضبت. اقدمت على ارتكاب الفضيحة: احتجاز الرئيس سعد الحريري واملاء استقالته عليه وعلى الرئيس ميشال عون… هذه امور باتت معروفة، وما عاد الحريري بحاجة إلى تأكيد ذلك، بروايته لها. لقد حفظ اللبنانيون الرواية. والخاتمة، أن لبنان الضعيف تجرأ على عُتُوِّ المملكة. صمت لبنان افحم المملكة التي باتت تثرثر وتهذر كالمراهقين.
وفي محصلة لمآثر السعودية في لبنان، انها خسرت السُنّة، واستعادتهم صعبة إن لم تكن مستحيلة. من “مآثر” الرئيس رفيق الحريري، انه انتزع السنة من تراثهم العروبي وأخذهم إلى حج سياسي وعمرة سعودية. هذا صار من الماضي. خسرت السعودية ثلث اللبنانيين، ولا يبدو انها ستعوض خسارتها باسترجاع السنة أو كسب شرائح مارونية تغالي في لبنانيتها وتزعم أنها للبنان، فيما هي فقط من لبنان.
تراهن السعودية على حراك في المدن الإيرانية، لن يكون رهانها كاسباً. حتى دونالد ترامب تراجع، بعد الصفعة التي وجهت إلى مندوبته في مجلس الأمن. إيران أقوى من أن يسقطها احتجاج، حتى ولو كان ذلك الاحتجاج شرعياً، ومعبراً عن معاناة اقتصادية ومالية وسياسية.
في حساب “الأرباح” السعودية، فشل في العراق. خرجت بلا تعويض على خدماتها في دعم القوى السنية المعتدلة والمتطرفة. للعراق مشكلات لا تستطيع السعودية توظيفها أو حلها. السعودية في سوريا تنتظر الفتات الذي يلقى عن طاولة التفاوض عندما ينضج الحل. النظام باق والتعديلات عليه هي المعاناة والمشكلات. صورة النظام ستكون على قياس الجغرافيا السياسية “للجماعات”. حصة السعودية تنافسها عليها تركيا.
الرهان السعودي الانتحاري هو حول صفقة “القرن” أو “صفقة العصر”، والذهاب الى فلسطين لانتزاعها من اهلها، وتوزيعها على اسرائيل، قدساً ومستوطنات، وعلى الأردن ممن يتبقى من شعب يُرّحل الى الأردن، أو بوطن في باندوستانات. دون هذه الخرافة. شعب فلسطيني باسل، ومحور مقاومة يشكل حائط صد ضد تصفية القضية الفلسطينية.
لا عاد المال السعودي مقنعاً وقابلاً للتداول، ولا عاد النفوذ السعودي يتسع لمنطقة من التناقضات، ولم يعد عندها غير أن تُحصي خسائرها، وتسجلها زوراً في إضبارة أرباحها.
السعودية لم تعد كما كانت. نوبة جنون سياسي ترتد عليها. الحساب سيكون عسيراً جداً.