طلال سلمان

الساسة الإسرائيليون: لن نكافئهم بدولة

غزة ـ حلمي موسى

في اليوم الرابع والثلاثين بعد المئة على العدوان، يبقى الأمل بقرب الفرج كبير. فتضحيات شعبنا في سبيل حريته ونيل حقوقه لن تذهب سدى، وثقتنا بذلك بلا حدود، فيوم انتصارنا يقترب مثلما يقترب يوم انكسارهم.

***

فيما العدوان مستعّر على غزة، ورفح مهددة بكارثة غير مسبوقة، بعدما جُمع معظم أبناء القطاع فيها، وفيما التجويع يقتل أبناء الأرض، ومستشفياته تباد، والجرحى يستشهدون لغياب العلاجات، ويرتفع عدد المعتقلين في سجون العدو حيث يلقون معاملة غير بشرية، ينشغل الساسة الإسرائيليون، كما الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، بنقاش حول إقامة دولة فلسطينية، يبدو أنّ المراد منها أن تكون خطة “اليوم التالي”، و”الجائزة” المفرغة من أي معنى مقابل إبادة أهل غزّة وتدمير معالمها.

وفي ظل الأحاديث المتزايدة في وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية عن خطة دولية تناقشها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتسوية إقليمية سريعة تقوم على أساس حل الدولتين، تتفاقم الخلافات ليس بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإدارة بايدن فحسب، وإنما أيضا داخل مكونات الحكومة الإسرائيلية.

وذكر المراسل السياسي لـ “القناة 13” أن عاصفة هبّت خلال اجتماع المجلس الوزاري السياسي الأمني ليل أمس الأول، عندما أبلغ نتنياهو الوزراء أنه يعمل على إعداد وثيقة لـ “اليوم التالي” تتضمن موقفا من الدولة الفلسطينية.

وكان نتنياهو قد استغل اجتماع المجلس الوزاري المصغر الذي عقد ليلة الخميس/الجمعة لمناقشة قضية تبادل الأسرى، وأجرى مكالمة هاتفية مطولة مع بايدن. وبحسب صحيفة “يديعوت أحرنوت”، نقل نتنياهو، في نهاية المحادثة، رسالة إلى الأميركيين مفادها أن “إسرائيل ترفض صراحة الإملاءات بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين”.

وجاء كلام نتنياهو في ظل التقارير التي تفيد بأن إدارة بايدن تروج مع دول عربية لخطة خاطفة لإقامة دولة فلسطينية.

وفي تغريدة على حسابه عبر موقع “تلغرام”، قال نتنياهو بعد محادثته مع بايدن: “لقد أوضحت في اجتماع مجلس الوزراء موقفي من الحديث الأخير عن فرض دولة فلسطينية على إسرائيل، ومفاده أن إسرائيل ترفض بشكل قاطع الإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين”. وأوضح رئيس وزراء العدو أن إمكانية التوصل إلى تسوية مستقبلية بين إسرائيل وبين الفلسطينيين لن تتحقق إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين ومن دون شروط مسبقة”.

أضاف نتنياهو: “إن إسرائيل ستواصل معارضة الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية. ومثل هذا الاعتراف في أعقاب مذبحة 7 أكتوبر سيعطي مكافأة كبيرة للإرهاب غير المسبوق ويمنع أي تسوية سلمية في المستقبل”.

وجاء إعلان نتنياهو، بعدما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” أمس الأول أن الولايات المتحدة ومجموعة من الدول العربية تحاول الانتهاء بسرعة من “خطة مفصّلة وشاملة للسلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، تتضمّن وضع جدول زمني محدد لإقامة دولة فلسطينية”. وذكرت الصحيفة الأمريكية أنه ربّما يتم الإعلان عن البرنامج عنه خلال أسابيع قليلة.

وبحسب تقرير الصحيفة، فإن محاولة استكمال هذه الخطة ملحة لأنها ترتبط بشكل مباشر بمحاولة وقف القتال في غزة، وإطلاق سراح الأسرى.

وقال مسؤولون أميركيون وعرب إن وقف إطلاق النار المبدئي، الذي ينبغي أن يستمر ستة أسابيع، سيوفر الوقت لنشر الخطة وحشد الدعم اللازم لها واتخاذ بعض الخطوات الأولية لتنفيذها، بما في ذلك تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة.

ويأمل مخططو البرنامج أن يتم التوصل إلى صفقة التبادل قبل بداية شهر رمضان، أي خلال أقل من شهر. وقال مصدر أميركي للصحيفة إن “المفتاح هو صفقة التبادل”.

غير أنه ما أن نشرت الأنباء عن خطة لإقامة دولة فلسطينية حتّى أعلن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية رفضه لها. وقال آفي هايمان، المتحدث باسم العلاقات العامة للديوان، في مؤتمر صحافي للصحافيين الأجانب: “هذا ليس الوقت المناسب للحديث عن توزيع الجوائز على الفلسطينيين”.

أضاف أن إسرائيل مازالت في “فترة ما بعد كارثة 7 أكتوبر”، معتبرا أن “الوقت الآن هو وقت النصر، النصر الكامل على “حماس|، وسنواصل طريقنا نحو النصر”. كما كرر الرسالة التي يحرص نتنياهو على ترديدها في تصريحاته: “كل الحديث عن اليوم التالي سيكون اليوم التالي لحماس”.

وبات مجرد الحديث عن “اليوم التالي” والدولة الفلسطينية، يثير سعارا داخل الحكومة الإسرائيلية. وكشف المراسل السياسي لـ “لقناة 13” أنّه عندما أشار نتنياهو إلى الدولة الفلسطينية، عمّت الفوضى اجتماع المجلس الوزاري المصغر.

وبحسب القناة، فقد أبلغ نتنياهو أعضاء المجلس أنه يعمل على إعداد وثيقة لـ “اليوم التالي” تتضمن موقفا من الدولة الفلسطينية. وما أن قال هذه الكلمة حتى قاطعه الوزير بيني غانتس وقال: “نحن لا نقوم بمناقشة قضية مهمة كهذه، بل يجب طرحها أولاً في كابينت الحرب ومناقشتها هناك. وللعلم، يمكننا أن نقول لجميع المسربين لنقاشات المجلس أنني أعارض قيام دولة فلسطينية”.

إلا أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عارض كلام غانتس وقال: “ستتم مناقشة هذه القضية هنا، إنها ليست قضية لكابينت الحرب.” مضيفا أنّه “لن نوافق بأي حال من الأحوال على هذه الخطة التي تقول في الواقع إن الفلسطينيين يستحقون مكافأة على المذبحة الرهيبة التي ارتكبوها بحقنا: دولة فلسطينية وعاصمتها القدس”.

بدوره، كتب وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير: إن نية الولايات المتحدة ومعها دول عربية أخرى إقامة دولة إرهابية إلى جانب دولة إسرائيل هو وهم وجزء من المفهوم الخاطئ بأن للطرف الآخر شريكا للسلام. “.

أمّأ وزير التربية والتعليم يوآف كيش فعلّق على التقرير بقوله لموقع “واينت”: “نحن معنيون فقط بالانتصار على قطاع غزة وتدمير قدرات حماس وإعادة المختطفين. وأي حديث عن مكافأة من هذا النوع أو سواها لهؤلاء القتلة – ليس في واردنا على الإطلاق”.

وأعرب الوزير جدعون ساعر (معسكر الدولة) عن معارضته قائلا “لقد حذرت من الخطة الخطيرة التي تتشكل للاعتراف الدولي الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية. هذه الخطة لن تحل الصراع، بل ستجعله مستعصيا على الحل”.

وكانت معاريف كشفت قبل نحو أسبوع عن قلق المسؤولين السياسيين في إسرائيل من النشاط المكثف الذي تقوم به الولايات المتحدة للترويج لفكرة إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في ظل حكومة موحدة. وسيكون ذلك على أساس ما يعرف بـ “السلطة الفلسطينية المتجددة”، ووفقاً لمسؤولين أميركيين.

وتدرس وزارة الخارجية الاعتراف بالدولة الفلسطينية كجزء من مبادرة سياسية شاملة، في إشارة إلى “اليوم التالي” لحكم حماس في غزة.

ويرى المراسل السياسي لموقع “والا” باراك رافيد أن حكومة نتنياهو تشعر بقلق بالغ من أن احتمال تنفيذ إدارة بايدن لخطوة أحادية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، أو السماح بإنجاز مثل هذه الخطوة في مؤسسات الأمم المتحدة، وهو أمر سوف يعني قلب السياسة الأميركية القائمة منذ فترة طويلة، والتي دعمت إنشاء دولة فلسطينية فقط نتيجة لمفاوضات مباشرة بين كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

وأشار رافيد إلى أن الوزيرين اليمينيين المتطرفين في الحكومة، سموتريتش وبن غفير، يدفعان إلى اتخاذ خطوة أولية على شكل قرار رسمي لمجلس الوزراء يصبح بموجبه سياسة الحكومة الإسرائيلية معارضة الدولة الفلسطينية.

ومعروف أن نتنياهو تقلب في مواقفه في العقدين السابقين بين تأييده للدولة فلسطينية محدودة السيادة ومعارضته لها وعمد طوال الوقت إلى تجنب اتخاذ قرار رسمي بهذا الشأن.

من جانبها، رحبت افتتاحية “هآرتس” بأنباء الخطة الجديدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية وكتبت: “أفادت “واشنطن بوست” أمس بأن الولايات المتحدة وبعضا من الدول العربية تتطلع لان تعرض، في غضون أسابيع، خطة بعيدة المدى للسلام بين إسرائيل وبين الفلسطينيين، بما في ذلك اطار زمني لإقامة دولة فلسطينية. وقالت مصادر أمريكية للصحيفة انه حسب المخطط يتم الإعلان عن هدنة في القتال في قطاع غزة لمدة ستة أسابيع، وفي هذه الفترة الزمنية تعرض خطة السلام علنا وتتخذ الخطوات الأولى لتنفيذها، بما في ذلك إقامة حكومة فلسطينية مؤقتة.”

أضافت الصحيفة أن “هذه الخطّة كفيلة بان تكون أنباء طيبة لا مثيل لها لدولة إسرائيل إذا تحققت بالفعل وإذا استجابت إسرائيل للتحدي. الكرة توجد أولا وقبل كل شيء في يديها. هذه ستكون فرصة حياتها، الفرصة الكبرى وربما الأخيرة لها لتغير وجهها وفرص اندماجها في المنطقة.”

ورأت “هآرتس” أنه “لذلك، يتعين على إسرائيل أن تغير بسرعة سياسة الرفض الطويلة. والتغيير لا يمكن أن يحصل مع الحكومة الحالية برئاسة محبط السلام بنيامين نتنياهو. فقد أصدر مكتبه منذ يوم أمس بيانا يقول إن هذا “ليس الوقت لتوزيع الهدايا عليهم”. يجب تغيير الحكومة بسرعة، لا تفوّت حجم الفرصة والساعة.

وختمت بالقول “إن فكرة أن الدولة يمكن أن تعيش الى الأبد الدولة على حرابها، مهما كانت متطورة وذكية، تحطمت في 7 أكتوبر. وعليه فلا يمكن الاستخفاف بمصيرية سياسة بدفع من مبادرة دولية كهذه”.

Exit mobile version