طلال سلمان

الرسالة-الشكوى..

لولا جلال المناسبة، الاستقلال، ومهابة المقام، رئاسة الجمهورية، لكان من حق أي مواطن أن يتساءل: هل نحن في لبنان المعنيون بكلام الرئيس الياس الهراوي؟!
لا بد من أمر من إثنين:
1 اما أن فخامته يجهر، بعد سبع سنوات من التجربة المرّة استهلكت خمس حكومات، بالأحلام التي يتشهاها ولا يتصوّر أنها قابلة للتحقيق، فيطلقها من باب التمني والتحسّر وإبداء العذر عن القصور،
2 واما أن فخامته يفترض أننا، معه، أمام نقطة تحول تاريخي، فيعلن »مانيفستو« الثورة الآتية متقدماً صفوفها من أعلى موقع في السلطة.
ما الذي يجري حقيقة في لبنان؟!
خلال أسبوع واحد يطلق أغنى رجل في تاريخ لبنان ومن موقعه الممتاز في السلطة، رئيس مجلس الوزراء، برنامجاً لحكومته الثالثة يكاد يكون »اشتراكياً« في عناوينه، لينال عليه ثقة مجلس نيابي يحتشد فيه أكبر عدد من أصحاب الثروات الفلكية ممن لم تعرف مثلهم الحياة السياسية لا قبل الاستقلال ولا بعده..
ثم يجيء رئيس الجمهورية ليطالب بدولة جديدة في هيكليتها وفي بنيتها وفي مهمتها: وهل تكون الدولة المديرة، أم الدولة المراقبة، أم الدولة الكفيلة، منادياً بجرأة الإقدام على اصلاحات دستورية ترتقي بنا الى دولة المؤسسات،
بل هو يندفع الى ابعد من ذلك فيؤكد حاجة البلاد الى قانون جديد للاحوال الشخصية (بحيث يكون القضاة مدنيين تختارهم وتعينهم الدولة وان استمروا في تطبيق القوانين الخاصة بكل طائفة، على غرار ما هو معمول به في كثير من الدول العربية ابرزها مصر وسوريا..)
وهو يتساءل متعجباً: لماذا نتأخر؟!
ويؤكد حاجة البلاد الى قانون جديد للانتخابات النيابية، معترفاً ضمناً بان القانون الحالي لا »يلبي طموحات اللبنانيين، ولا يمكن من ترسيخ الوفاق الوطني ومن صحة التمثيل الشعبي، ومن الممارسة السليمة للديموقراطية«.
ومع التقدير لشجاعة رئيس الجمهورية في »نقد« جمهوريته وفضح وجوه الخلل الخطير في بنيتها،
ومع التقدير لشجاعة الاعتراف العلني الصادر عن رئيس الحكومة بان حكومتيه السابقتين قد قصرتا تقصيراً فاضحاً في الاهتمام بالشأن الاجتماعي، وان نجاحهما الاقتصادي الرقمي قد تسبب في جانب منه بحالة الركود الاقتصادي الخانقة،
مع التقدير للرئيسين فان المواطن يتساءل: هل نحن فعلا امام انقلاب من فوق، ام ان احساس الرجلين بخطورة الاوضاع يضطرهما الى تبني كلام لا يصدر في العادة الا عن الانقلابيين من اهل الثورة والحالمين او العاملين للتغيير الشامل؟!
الى من يتوجه الرؤساء بمطالبهم؟!
هل المواطن المطارد في رزقه، المحاصر في خانة الطائفة او المذهب، المنسية كفاءته، المعطل دوره، هو الذي يمنع وضع التنظيم الجديد للدولة؟!
وهل هذا المواطن الذاهب مرتين ضحية المداخلات السياسية في الإدارة هو المسؤول عن مسلسل الفضائح الذي لا ينتهي في التعيينات وفي التلزيمات، في صفقات غب الطلب وفي اختلاسات غب المال العام، وفي جرائم قتل و/او اخفاء المتورطين في تزوير الطوابع وسائر موارد الدولة؟!
الى من يتوجه الرؤساء ممن بيدهم القرار، ولطالما قرروا خطأ، بمطالبهم في الاصلاح وفي ضرورة تفعيل اجهزة الرقابة واجراء التشكيلات الادارية اللازمة وتطبيق مبدأ العقاب والثواب؟!
ثم الى من يتوجه الرؤساء ممن يعينون ويخلعون ويحيلون الى الاستيداع او يرفعون، بمطلب تحصين القضاء وانطلاقه في ممارسة مهمته ورسالته؟!
والى من يشكون تعطيل مطلب شعبي ملح كتطبيق اللامركزية الادارية، وتحقيق مطلب شعبي اكثر الحاحا واكثر بديهية من ان يكون مطلبا مثل اجراء الانتخابات البلدية (وقد سقطت »سهوا« من البيان الوزاري، واكتفت رسالة الهراوي بالحديث عن تفعيل دور البلديات وهي فعليا غير قائمة وميتة مثل معظم رؤسائها والغالبية العظمى من اعضائها..).
لولا التقدير للمناسبة والمقام لاتهمنا الرؤساء جميعا، ومعهم الحكومة والمجلس النيابي، بأنهم يسرقون منا كلامنا ويبيعوننا من بضاعتنا ويسبقوننا الى الشكوى والتذمر ويخطفون منا حلم التغيير.
على ان اهم ما في خطاب الرئيس الأول وبيان الرئيس الثالث هو الاعتراف بأن الجمهورية على شفا انهيار شامل.
وفي جمهورية مثل هذه سيكون مستحيلا تحقيق مطالب مثل التي تضمنتها رسالة الرئيس الهراوي ناهيك بما تضمنه البيان الوزاري.
وإذا كان المقام (والصلاحيات؟!) لا يسمح لرئيس الجمهورية، وحده، بالقرار الحاسم، فإن الأمانة تفرض أن يطرح على الرئيس سؤال من نوع: ولماذا تركتم الأمور تصل الى هذا الدرك؟!
.. وإذا كانت السنوات السبع التي مرّت علينا هي »العجاف« فمن يضمن أن تختلف السنوات الآتية عنها؟!
… ثم لا بد من التساؤل: إذا كانت الترويكا قد قدرت على كل تلك »الإنجازات« الباهرة في الماضي، فلماذا لا تهب اليوم إلى الإصلاح المنشود، خصوصاً وأنها الأدرى لأنها تعرف أين وكيف خربت؟!
مع ذلك لا بد من التنويه، مرة أخرى، بشجاعة الرئيس الهراوي في طرح الوضع الخطير على بساط »الحوار الوطني العلمي العالي لأن أي خيار مستقبلي هو مسؤولية الجميع«،
ولكن أين »الجميع«، وقد اعتبرت الترويكا نفسها هذا »الجميع« على امتداد السنوات الماضية ثم جاءت اليوم تنعى إلينا الهيكل ومَن فيه؟!
والمشكلة ليست فقط في »مَن يعلق الجرس«؟!
بل ان لها جانباً ثانياً هو: في رقبة مَن سيعلق هذا الجرس؟!
وشكراً للرئيس: لقد أضاف إلى همومنا أثقلها، بأن عطل نفسه كمرجع للشكوى فتقدمنا جميعاً لكي يشكو… إلى المجهول!
والشكوى، عموماً، لا تصنع الثورات!

Exit mobile version