طلال سلمان

الديمقراطي بامتياز

مفاجأة كانت أن يسمى جوزف مغيزل وزيرù.
تمامù كما كانت مفاجأة لمن عرفوه في الستينات والسبعينات والثمانينات أن »يكتشفوا« أنه أطل على الحياة العامة من باب حزب الكتائب، أواخر الأربعينات.
فالصورة التي كانت لجوزف مغيزل في وجدان الناس أنه أرقى من أن يكون طرفù في أية مخاصمات سياسية محلية، وأنه أصفى وأنزه من أن يكون »طائفيù« أو »مذهبيù« أو محازبù لتيار تنتقص طائفيته من إطلالته الوطنية العامة أو من أفقه القومي المفتوح على الفكر الإنساني الطامح إلى استكشاف المزيد من آفاق التقدم.
كان، بشكل ما، أكبر من الوزارات.
ففي ملامحه كما في سلوكه الكثير من مواصفات »الرمز« والكثير من خصائص الضمير.
إنه، مثل قلة قليلة في لبنان وفي أي مكان آخر، الوجه المشرق لكل الناس، فالعام فيه أكثر من الخاص بكثير.
إنه »الديموقراطي« بامتياز،
وهو »المحامي العام« بامتياز، محامي القضايا العامة التي تخص كل الناس.
وهو الرمز المصفى للمناضل من أجل حقوق الإنسان، ولا سيما الإنسان العربي، بما هي القضية الأخطر والأهم والأعظم إلحاحù.
ولقد كان جوزف مغيزل محامي العرب وقضاياهم جميعù: من الجزائر المقاتلة ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، إلى الفلسطينيين المقاتلين ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، ومن أبناء جنوب اليمن المقاتلين ضد الاستعمار البريطاني، إلى الليبيين المفروض عليهم حصار الجوع بقرار المتحكّم الأميركي المهيمن على إرادة المجتمع الدولي.
كذلك فقد كان محامي العرب جميعù ضد حكّام القهر والعسف والتخلّف في الداخل: محامي الإنسان العربي ضد الطاغية.
لا ادعاءات ولا مظاهر، لا تصريحات نارية ولا خطب من ذوات الدوي، بل عمل دؤوب وصابر ودقيق، وجهد تنظيمي هادئ، وكتابات تتجه إلى العقول لا إلى الغرائز… وإلى جانبه تلك الصامدة الوديعة كما الرمح رفيقة العمر والكفاح »الست لور«.
لقد طهّرته التجارب حتى غدا رقيقù كنسمة، لكن الرقة لم تنقص من صلابته المبدئية بل هي شحذتها وجعلتها أعمق وعيù.
ابن تبنين: المقاوم على الجبهتين بلا بندقية، نائب بيروت التي لمرة اختار ضميرها بعض نوابها،
رحل وهو على باب الوزارة، مخلفù الألقاب التي كانت تتراجع أمام إسمه الذي بات وكأنه »هوية«.
رحم ا” جوزف مغيزل: لقد أعطى ما آمن به كل ما يملك وحتى اللحظة الأخيرة.
طلال سلمان

Exit mobile version