طلال سلمان

الحكم ببرنامج معارض..ومفارقاته!

ضبطت »المعارضة« رفيق الحريري بالجرم المشهود، فرفعت صوتها تُشهد الناس على واقعة الاختلاس العلني: هذا لي وليس له!
بصيغة أخرى: أما وقد »سرق« رفيق الحريري »خطاب« المعارضة السياسي وشعاراتها ذات الوهج الشعبي، فصاغ منها جميعاً البيان الوزاري لحكومته الثالثة، فلقد كان من الطبيعي أن ترد له التحية بإعلان قرارها بحجب الثقة من قبل أن تُطرح الثقة على التصويت في المجلس النيابي، منتصف الأسبوع المقبل.
ذلك أن هؤلاء الفرسان الستة الذين تلاقوا للمرة الثانية خلال أسبوع واحد، أمس، مبشِّرين بولادة »مرجعية« لمعارضة نيابية رصينة، قد تكون محدودة عدداً، ولكنها تعكس أو تعبّر عن حالة تذمر شعبي واسعة النطاق، يعرفون أن رياح رفيق الحريري ما زالت في هبوب، وبالتالي فهو ما زال يحظى بأصوات الأكثرية العددية من النواب،
لذا كان منطقياً أن يعتمدوا السلاح المفضل لدى »البديل الجدي المحتمل« للحريري، ولو بعد حين، وهو سليم الحص: سلاح الموقف.
ذلك أن المواجهة الميدانية متعذرة أصلاً، ثم انها، لو وقعت، فغير متكافئة ومحسومة نتائجها سلفاً لمصلحة »خصمهم« المحصّن جيداً، بعدُ، حتى إذا ما سلَّمنا جدلاً بأنه تعرض (وما زال؟) لشيء من التحجيم.
ولسوف يكون المشهد طريفاً يوم الأربعاء المقبل، حين يقترع النواب بأكثريتهم »الساحقة« لبرنامج المعارضة، وهو مرفوع فوق أسنة الرماح لحكومة تجيء الآن كامتداد لسابقتيها لكي تقول إنها ستحكم بنقيضه!
لكن الطرافة ستنقلب إلى كاريكاتور رديء يوم الخميس المقبل حين تنزل معارضات أخرى (أو تحاول النزول) إلى الشارع لكي تطالب بمثل البيان الوزاري لهذه الحكومة التي ستقمعها وتسقط شعاراتها »المختلسة« التي ستكون قد غدت شكليا برنامجاً للحكم!!
لا حدّ للمفارقات والطرائف الموجعة:
المعارضة النيابية، أساسا، ثم سائر »المعارضات« في الداخل وفي الخارج، إما عاجزة، وإما غير راغبة، وإما غير راغبة وعاجزة معا عن استلام الحكم »المؤمَّم« حتى إشعار آخر لمصلحة القائم فيه.
وحكومة فضفاضة لرئيسها نهج يختلف مبدئيا عما كان يلهج به وينادي به فريق أساسي من أقطابها، هم من يُفترض فيهم أنهم »الوزراء السياسيون«..
ثم ان هذا الفريق »الحزبي« غير الموحد الآن، لا يستطيع ان يدعي ابوة هذه الشعارات الفخمة التي تضمنها البيان الوزاري، خصوصا ان اطرافه يعون تماما ان تلك اللغة قد باتت مهجورة، وان رئيسهم المنادي بها الآن هو موضوعيا خصمها المباشر، فكريا وعمليا، ولا يمكن ان يكون قد اهتدى الى الايمان بها بعدما تنصل منها اصحابها، كما انهم يدركون استحالة تحقيقها في المدى المنظور، حتى لو وقعت المعجزة وخل الايمان بها في صدور الجميع: رئيسا وحكومة ومعارضين!
القائل غير الكاتب، والكاتب غير المطالب، والمطالب هو غير المقترع، والمقترع غير مقتنع لكنه سيغلّب الانضباط والالتزام على المعتقد، واخيرا فإن مَن سينفذ غير موجود أصلا، والمطالبات ستُقيَّد … ضد مجهول!
المعارضة النيابية أقل من حكومة ظل.
وأكثرية الوزراء هم ظل لحكومة (حتى لا نقول لحاكم)..
والإعلام، على وجاهة قضيته لاتصالها بالحرية، لا يكفي صاعقا لتفجير ثورة الفقراء من ضحايا الأزمة الاجتماعية المتفاقمة في ظل الركود الاقتصادي الذي لا علاج جديا وفوريا له.
والحركة النقابية ليست بديلة للحياة السياسية، وليست خصوصا بأوضاعها الراهنة محركا لها، وليست بأي حال قيادة للحركة الشعبية.
ولقاءات الفنادق تنتهي بصورة تحتشد فيها الرموز وتغيب عنها القدرة على الفعل، وتتضخم التهديدات في بياناتها بأكثر مما تتزايد جماهيرها وقواها الضاغطة بتمثيلها لشرائح واسعة ولمصالح حيوية في المجتمع المهدَّد في وحدته بعدُ.
وغداً سيلتئم المجلس، وسيتوالى النواب على منصة الخطابة، فيقولون الكثير، وقد يلمسون المواجع، وقد يُحسنون تشخيص الازمة، وقد يتجاوزون أنفسهم وطروحاتهم كما تبدت في البيان الوزاري المختلس منهم، والذي سيُرجع اليهم على طريقة »ابيعك من بضاعتك«… ثم تنتهي الحرب التلفزيونية بالتهاني والتبريكات بالثقة المعزَّزة، لكن الازمة ستظل تنتظر مَن يعالجها بجدية تتناسب مع خطورتها.
والمفارقة الاخيرة: ان معظم الفرسان الستة لم يسموا خلال استشارات التكليف إلا رفيق الحريري لرئاسة الحكومة، ثم ها هم يحجبون الثقة عن حكومته.
بالمقابل، ها هو يخطف منهم برنامجهم العتيد لكي يبرر حكومته الثالثة التي تسعى الى تشريع وتنفيذ وتطبيق برنامجه المضاد!
هل تتسع الازمة لحفلة تنكرية كهذه؟!

Exit mobile version