طلال سلمان

الحروب بين العرب تدمر المستقبل العربي واسرائيل الدولة القومية ليهود العالم..

ليس من دولة عربية اليوم تستطيع الادعاء انها “مستقلة”.

أن الدول العربية جميعاً مرتهن قرارها، منتهكة سيادتها، بالاحتلال المباشر وبالقواعد الاجنبية فيها، وبأساطيل الطيران الحربي لدول اجنبية تتوغل في فضاءاتها من دون اذن، وتتخذ في بعضها قواعد لطائراتها الاسرع من الصوت وقذائفها التي تسرع الموت.

قد تختلف اشكال “الاحتلال” او “الهيمنة” او “السيطرة على القرار الوطني المستقل”، لكن المؤكد أن هذه الدول العربية لا تستطيع أن تتقارب في ما بينها، بعيداً عن احلام الوحدة او الاتحاد، الا بموافقة دولة او دول اجنبية ولمصلحتها بالدرجة الأولى، كما انها لا تستطيع أن تذهب بالخصومة مع “اهلها” و”جيرانها الاقربين” الا بتحريض اجنبي مكشوف او مستتر وحماية معلنة.

لا جدال هنا في أن الهيمنة الجدية، اقتصاديا بالأساس، ومن ثم عسكرياً وبالتالي سياسيا، هي للغرب بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، بعسكرها وقواعدها ومخابراتها بأجهزتها المتعددة، قبل الحديث عن الاقتصاد، والنفط والغاز خاصة.. ثم عن التبادل التجاري وهي معادلة تشبه معادلة الاسد والفأر.

أن ثمة قواعد عسكرية اميركية في معظم اقطار الجزيرة والخليج، ومعها ايضا قواعد فرنسية وبريطانية..

وهناك قواعد عسكرية روسية في سوريا، اضافة إلى وجود عسكري فرنسي طارئ فضلاً عن الوجود الايراني، بمعزل عن المساعدات والقروض والهبات والمعونات الاقتصادية التي قدمت وما تزال تقدم اليها وهي تحاول اجتياز محنتها في الحرب فيها وعليها..

وفي العراق ايضاً “بقايا” وجود عسكري اميركي مؤثر، ووجود بريطاني ملحق ومعه ما تبقى من قوات حليفة لواشنطن شاركت في غزو العراق واطاحة صدام حسين، وتوغلت في اللعبة السياسة الداخلية حتى صارت جزءاً منها.

أما في لبنان فكل الغرب موجود، وان كانت الارجحية المطلقة عسكريا واقتصادياً للولايات المتحدة الاميركية التي لها ما يشبه “القواعد الجوية” في بعض مناطق الساحل اللبناني على شكل مراكز تدريب..

واذا ما تجاوزنا القاعدة الاميركية العظمى في فلسطين المحتلة (اسرائيل) فان الوجود العسكري مؤكد وحاضر في بعض دول شمالي افريقيا، ربما مع استثناء الجزائر.. وان كان النفط يظل موضع تأثير اقتصادي، ولو محدود.

ولقد تم تعظيم “الخطر الايراني” لاستنفار الجزيرة والخليج، فتورطت السعودية ومعها دولة الامارات في حرب مفتوحة على اليمن، كان يمكن أن تسهم أكلافها بتعمير اليمن وانقاذ اهلها الفقراء من الكوليرا وسائر الامراض التي ضربتهم، خلال هذه الحرب التي لا احد يستطيع تحديد موعد لانتهائها، فضلاً عن احتمال الانتصار فيها..

وتعيش السعودية ومعها دولة الامارات (والبحرين طبعاً) هاجس الخطر الايراني إلى حد انها فتحت اراضيها وشواطئها لقواعد عسكرية اميركية وفرنسية، وشاركت ـ بشكل او بآخر ـ في الحرب على سوريا، وفي التضييق على لبنان، وصولاً إلى احتجاز رئيس حكومته سعد الدين الحريري فيها لمدة اسبوعين ، ثم لم تطلق سراحه الا بوساطة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي كان في زيارة لأبي ظبي فعدل مساره ونزل في الرياض وقابل ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، وتوسط لإطلاق الحريري واسرته… بينما الحريري لم يعترف ابداً بصداقته مع ايران، بل انه يقاطع سوريا في سياق “حربه الناعمة” على شريكه في حكومته “حزب الله”.

*****

واضح أن تأثير “الغياب المصري” على السياسات العربية مفجع..

فمصر وحدها هي التي تستطيع أن تعيد التوازن إلى العلاقات العربية ـ العربية. ومع أن القاهرة قد حافظت على “علاقة ناعمة” مع سوريا عبر ابقاء سفارتها مفتوحة، ولو على مستوى قنصلي، وتبادل المعلومات عبر أجهزة المخابرات.. الا أن مصر تستطيع، لو ارادت، أن تلعب دور “الجامع” و”المقرب” بحكم ثقلها، والمصالح المشتركة، ونفوذها ـ بحكم التاريخ ـ على المستوى العربي..

كذلك، كان يمكن للجزائر أن تلعب دوراً مؤثراً في إعادة العلاقات العربية ـ العربية إلى سويتها، نتيجة لنفوذها المعنوي، الا أن حكومتها تبدو عاجزة مثل رئيسها الذي يستمر رئيساً على كرسيه المتحرك.. وكلما انتهت ولايته جدد لولاية أخرى بسبب من تورع الآخرين عن منافسته، نتيجة سيطرته عن طريق اقاربه ورفاقه من جماعة بومدين على موقع القرار.

*****

كيف لا يمكن أن يضيع ما تبقى من فلسطين في ظل هكذا اوضاع عربية؟

لقد بات المغرب بعيداً جداً عن المشرق، بعد غياب مصر عن دورها الجامع، وغرق سوريا في دمائها، وغرق العراق في حربه ضد “داعش”، فضلاً عن مخلفات حكم الطغيان بقيادة صدام حسين، ثم ما الحقه الاحتلال الاميركي من دمار في البنية التحتية، فضلاً عن دوره التخريبي في علاقات العراقيين بعضهم ببعض وصراعهم الطائفي المفتوح (سنة وشيعة) حول السلطة ومركز القرار فيها… وهكذا ولي الاميركيون العراقيين العائدين من المنافي بغالبيتهم الشيعية مركز القرار (تحت اشرافهم) بغض النظر عن اهليتهم وامانتهم ونظافة الكف، فزاد النهب والفساد… ثم جاءت “داعش” بحربها واحتلالها الموصل واكثر من نصف مساحة العراق لتزيد الخراب والتدمير والفقر والضياع في غياهب الطائفية والمذهبية.. والعنصرية، اذا ما تذكرنا غرور مسعود البرازاني وإصراره على تحويل الفيدرالية التي كان سلم بها النظام إلى انفصال.. عدائي، كان بديهيا أن يسقطه الاكراد أنفسهم بقوة انتمائهم إلى العراق، قبل أن تتدخل السلطة المركزية لحسمه، واعادة الامور إلى سابق عهدها.

*****

..ولقد افاد العدو الاسرائيلي من هذه التطورات الدراماتيكية التي اعادت تقسيم العرب ليس بين المشرق والمغرب، بل كذلك على اساس طائفي ومذهبي (سنة وشيعة، علويون ودروز ومسيحيون، فضلاً عن الانقسام العنصري، عرب، كرد، سريان، أشوريون، ازيديون وصابئة الخ..)

هكذا بات الجو ملائماً، مع الدعم الاميركي المفتوح والتشتت العربي لكي يعلن قادة العدو الاسرائيلي “قرارهم التاريخي” بإعلان اسرائيل “الدولة القومية ليهود العالم..”

ولقد كانت ردود الفعل العربية على هذا “القرار التاريخي” خافتة وخجولة، بل أن بعض هذه الدول قد تجاهل القرار تماماً، مع انه يشمل في ما يشمل تهديد من تبقى من الفلسطينيين العرب داخل الكيان المحتل بالطرد، لتكون اسرائيل “وطنا يهودياً خالطاً”..

حتى رد فعل منظمة التحرير الفلسطينية كان باهتا وبلا معنى، وتصرفت وكأن الامر لا يعنيها..

*****

تتهاوى الدول العربية فتندثر او تكاد (اليمن، ليبيا، سوريا، التي تحتاج إلى اعادة اعمار شاملة، وكذلك العراق).. او انها تغرق في حروب عبثية ضد بعضها البعض (السعودية والامارات ضد اليمن، دول الخليج بعنوان قطر ضد سوريا، تجاهل العراق).

بالمقابل فان دول الخليج بعنوان السعودية والإمارات المنخرطة فعلياً في حربها على اليمن، لا تفتأ تندفع إلى حافة الحرب ضد إيران، في حين يفتح الرئيس الاميركي دونالد ترامب ابواب المفاوضات امام “حكم الملالي” في طهران.

انه وطن عربي ضائع عن طريقه إلى مستقبله، يكاد يخسر حاضره في ابتداع اعداء لم يكونوا اعداءه إلى عهد قريب.. دوله مقتتلة في ما بينها (حتى لا ننسى سوريا والصراع حول لبنان والعراق وليبيا البلا دولة..)

من أين سيأتي المستقبل الافضل طالما أن القادة والمسؤولين يقفلون ابواب المستقبل بحروبهم ضد الذات ومهادنة عدوهم الاصلي والاساسي: اسرائيل، ومن يحميها ويدعمها ويجعلها متفوقة على مجموع العرب.

تلك هي المسألة..

تنشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية

 

Exit mobile version