طلال سلمان

الحاج عيسى مكي

في أواخر صيف العام 1973 كان لقاؤنا الأول مع الحاج عيسى مكي؛ كنا قد طفنا شوارع منطقة رأس بيروت ومتفرعاتها بحثاً عن مكاتب للجريدة التي ستحمل اسم »السفير«. وكان بعض من نسأل يستوضح مستنكراً: جريدة؟! لا يا حبيبي، لا أريد مشاكل وانفجارات واغتيالات، إبعد عن الشر وغنّ له؟
وحده الحاج عيسى جلس إلينا يسأل تفاصيل مشروعنا، مع شيء من التدقيق في منشئنا وهويتنا السياسية.. ثم أبلغنا موافقته على ان يؤجرنا مكاتب للجريدة ولشعاراتها التي اطربه منها »صوت الذين لا صوت لهم«.
كان الحاج عيسى مكي تاجراً محترماً، يستورد الأجواخ وأصنافاً أخرى من أوروبا، وكان أخوه الذي رحل مبكراً موسى يساعده في رحلة النجاح التي بدأت من الصفر.
ولقد عرضت ظروف الحرب الأهلية »السفير«، وبالتالي بناية مكي، لاعتداءات متكررة. لكن الحاج عيسى لم يتذمر مرة، بل كان يأتي للاطمئنان إلى سلامتنا جميعاً مقرراً ان »قدرنا ان نتحمل طالما اننا نعيش في زمن الصعوبة«. ولست أبالغ ان قلت اننا بتنا بالنسبة للحاج الذي جاء من اركي إلى بيروت وكافح فيها حتى حقق بعضاً من طموحه، جزءاً من عائلته، وان كان في أيامه الأخيرة بات يعتبر نفسه وعائلته بعض أسرة »السفير«.
كان يأتينا، في أيام احتدام المعارك، مهموماً، كارهاً ان تنحرف الصراعات السياسية عن مجراها السلمي لتتخذ شكل الصدامات الطائفية وإقدام الأكثرية (دينياً) على تهجير الأقلية. وكان له دور ملحوظ في منع التعديات على الأهل والجيران في القرى المجاورة.
رحم الله أبا محمد، الحاج عيسى، الذي أعطاه الله ذرية صالحة انتشر أفرادها في أربع رياح الأرض يسعون إلى التحصيل العلمي وقد نجحوا، وهم سيحفظونه في قلوبهم، كما انهم سيجعلونه دائماً بين الناس الذين أحبهم وأحبوه.

Exit mobile version