طلال سلمان

الحاج عبد الله الحاج أحمد

لم يكن نجماً تحمل صوره نشرات الأخبار، لكنه يعرف الأعمدة والأبراج التي لولاها لما تم بث خبر واحد، واحدا واحدا، فقد ركبها قطعة قطعة، مثبتا أن أصابعه أصلب من حديدها، وأنه أقوى من خطر السقوط، وأنه أصلب من أن يهده التعب، وأكرم من أن تذله الحاجة.
لم يكن من رواد الليل، بل كان يصل الى حافة النهار منهكا، لأنه أطعم الانتاج جهده، بغض النظر عن عدالة الأجر أو الظلم الفاضح فيه. فهو لا يعرف أن يكذب أو يغش أو يخادع. إنه يخاف ضميره؛ هذا الرب الصغير الذي يراقبه طوال الوقت ولا يرحمه إن هو قصّر أو »ضيّع« دقائق من حقوق عمله عليه.
لم يكن لديه الوقت الكافي ليراقب أبناءه وهم »يقفزون« من الطفولة الى الشباب. ولم يكن يحمل لهم الهدايا في أعياد ميلادهم، لكنه كان يعلّمهم أن إرادة الإنسان أقوى من كل ظروف البؤس، وان المثابرة والإخلاص والإيمان والعمل ليست مجرد قيم مطلقة بل هي »مصاعد« الى النجاح والى تحقيق الآمال التي تعبت من حملها الصدور جيلاً بعد جيل…
ولقد حققت الذرية الصالحة آمال »البيت الطيب«، فابتنت بيوتا، وأضاءت بجهدها الدؤوب طريق الغد الأفضل، وتسنّى للأب الذي أفنى عمره يعمل لغيره ان يرتاح، فيزور مع زوجته الصابرة بيت الله، وأن تهدأ نفسه، وإن لم تهدأ نبرة صوته، ولم تخفت حميته، فظل طليعة لأهل المروءة في المناسبات جميعا، ينثر حبه على الناس بغير طلب وبغير منة، ثم ينصرف قبل أن يتلقى الشكر، فهو إنما يؤدي واجبه وجزاؤه ان ترتاح نفسه وأن يطمئن الى انه لم يقصر.
أمس، شيّعت شمسطار الرجل الطيب الذي أحب كل الناس، وقدم خدمة ما لكل من التقاه في دروب حياته، وعاش عمره كله في قلب التعب، لكن ضميره لم يتعب أبدا.
رحم الله الحاج عبد الله الحاج أحمد: الإنسان الطيب الذي عاش حياته في الصمت ولم تذكره »الأخبار« إلا يوم وفاته، لكن الناس جميعا طلبوا له الرحمة واسعة وهم يتأملون ثمار عرقه في ذريته الصالحة، مغتربين ومقيمين، والذين يحملون الله وحب الناس في صدورهم.

Exit mobile version