طلال سلمان

الحاج أسعد الأتات: غادر ومصحفه مفتوح

حين تجاوز المائة، كان الحاج أسعد ما زال سليم الجسم، قوي النظر، يعكف معظم وقت »فراغه«، وهو كل الوقت، على إعادة قراءة القرآن الكريم، ومن دون نظارتين.
كيف يا خالي؟
وكان يرد: الحمد لله، عقلي سليم، نظري سليم، وصحتي عموماً لا بأس بها، لكنني أسمع أن »أحوالكم« عاطلة.
كان يعتبر نفسه قد بات في عالم آخر غير عالمنا… لكننا كنا نلح عليه لنسمع منه حكاياته الممتعة، وما أكثرها، والتي تتحدث جميعاً عن العرب حين كانوا أمراء في الشجاعة والكرم ونجدة الملهوف.
كان في الربيع والصيف يقتعد كرسياً على الشرفة التي تطل على بدنايل التي جاءها »ضيفاً« يرفض منطق الثأر القبلي، ولكنه لا يستطيع أن يتصدى لنزعة الشر إلا من داخل ذلك المنطق المتخلف… وعلى هذا فقد نأى بنفسه عنه.
ظلت روحه في شمسطار، التي كان يقصدها، في المناسبات الحزينة: فقدان صديق أو قريب أو نسيب… وحين يجيئها لا يتوقف فيها إلا للحظات ثم يغادرها كأنه يخاف من حبه أن يمنعه من مغادرتها.
ولقد دفع ثمن ابتعاده عنها غالياً، فتجرع مرارة فقدان الابن البكر… ولكنه صمد، ومن حوله بعض اخوانه ممن احتفظوا بشمسطار في قلوبهم لكنهم اندمجوا في مجتمعهم الجديد، وقد أسرهم برحابة المضيف.
أمس الأول، الأحد، ومع آذان الصبح غادرنا الحاج أسعد الأتات إلى الدار الآخرة، وظل مصحفه مفتوحاً على سورة مريم، واحتضنته بدنايل مع أبنائها البررة.
وحين حملناه إلى مثواه الأخير كانت بدنايل تودع ابنها الشهيد نوار حسين أبو فريد حيدر الذي قضى مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إذ كانت نوبة عمله في فندق السان جورج، لحظة وقوع الانفجار الذي فتح جنبات البلاد على المجهول.
وكانت »الفاتحة« خير وداع للفقيدين.

Exit mobile version