طلال سلمان

الحاجة بهية

بهدوء جليل يتناسب مع »البيت« العريق وعزة نفس »الكبير«، رحلت الحاجة بهية عبد اللطيف الأسعد.
عاشت أيامها الاخيرة تنتظر الموت وتستدعيه، مستذكرة من القرآن الكريم آيات استعصت على النسيان وعلى شرود الذهن والغياب عن المكان والزمان وأهله.
ومع القرآن الكريم، استرجعت الذاكرة المرهقة بالتعب من الأيام وما أنجبته الايام من احوال، صوراً لا يمكن لبهية عبد اللطيف الأسعد ان تنساها، وكذلك الناس: الأزجال حول »بيشكوف« وحول مقاومة الفرنسيين، وحول التصدي للطغيان وتوكيد ارتباط اهل الارض بالارض وبتاريخهم المستمر بها وعليها وفيها.
استعادت بهية شقيقها أحمد الأسعد، و»أم كامل«، وأباها عبد اللطيف، وكامل الكبير.. وكانت اذا ما غابت لبعض الوقت، تستأنف مع عودة الوعي حوارها معهم مستعجلة اللقاء.
وها قد تم اللقاء في الارحب والابقى.
وفقد نفر قليل من الناس، أنا وعائلتي بينهم، »ست الحبايب« التي اعطتنا الكثير الكثير ولم تأخذ منا شيئاً، حتى كفنها جاءت به معها من مكة المكرمة، وحفظته منذ سنوات الى جانبها، ومعه بعض مياه زمزم.
كان زماني قد أسعدني بأم ثانية وكرّمني بأن سمعت منها وأخذت عنها ما لا تقوله الكتب ولا الألسنة. فبهية عبد اللطيف الأسعد كانت مشروع قائد ومعلم أكثر منها زوجة وأماً وربة بيت، وكانت أفكارها ساطعة كعاطفتها وكعزة نفسها وكبريائها الجريحة بدوران الفلك.
فإلى جنة الخلد يا »ست ام عماد«، وإنا لله وإنا اليه راجعون.
طلال سلمان

Exit mobile version