طلال سلمان

الجولان: بوابة فلسطين

عندما كانت البلاد بخريطتها الأصلية مثّل الجولان منها هضبة في حضن جبل الشيخ تجتمع عند سفحها روافد نهر الأردن فتمنحها الخصب قبل أن تكمل طريقها لتصب في بحيرة طبريا.
وعندما كان العرب مـــن صنّاع التاريخ استقبل الجولان أبطال الفتح مقاتلين، وأُودعت في قلبه بضعة من القادة الذين استشهدوا وهم في طريقهم إلى القدس ليظهروا هويته الأصلية بأهله وإلى سائر فلسطين ليـــخرجوا جيوش الاحتلال الغربي من «الأورام».
أما عندما خرج العرب من التاريخ فقد أخرجهم الاحتلال الجديد الذي صار استيطاناً يرتكز إلى الأسطورة الدينية من الجغرافيا، وهكذا صُيّر الجولان سور حماية للمشـــروع الإسرائيلي فطرد منه أهله ومنع من تبقى منهم فيه من أن يكونوا أصحابه، هويتهم منــه وهويته بهم وفيهم.
صار الجولان ذكريات لأهله الذين أُخرجوا منه، يقف من تبقى فيه منهم وينادون أبناءهم الذين صاروا «نازحين» يقاسمون «اللاجئين الفلسطينيين» مخيمات «العودة» التي كانت مؤقتة فصارت سكناً دائماً للذين تجمدت أحلامهم بجمود قرارات الأمم المتحدة ثم بالمفاوضات على المفاوضات التي لا تغيّر واقعاً ولا تعيد مهجراً مسلوب الحق بحلم العودة إلى الأرض التي باتت الآن تسكنه وقد كانت سكن روحه قبل الجسد، وبعض عناوين تاريخه قبل أن تكون بعض مواقع جغرافيته.
ولسوف يبقى نداء أبناء الجولان أهلهم الذين يسمعون من على البعد، بقلوبهم نحيب الأرض يظلل الأصوات التي يختلط فيها الحزن ببقايا أمل يتمسكون به وكأنه حبل الصرة مع هويتهم التي لا يقبلون لها تبديلاً، مع وعيهم بأن رحيل أي منهم يعني أن حقهم ـ التاريخي ـ في أرضهم قد تناقص… فيتشبثون بالحياة لأن وجودهم هو بذاته الشهادة الأخيرة على أنهم أصحاب هذه الأرض، بها يكونون ومن دونها تضيع هويتهم وتفقد الأسماء معناها.
عن الجولان، بموقعه وأهله الذين جاءوا من أمكنة كثيرة واتخذوه سكناً كخط دفاع عن الأرض باعتبارها الهوية والنسب، هذا العدد من فلسطين، تحية لمن استشهد فيه من أجل عروبة الأرض وأصالة انتمائها إلى وطنها الذي سيظل وطنها بشهادة أن كل الغرباء الذين جاءوا محتلين بالسيف قد أخرجوا بالسيف، ولو بعد حين.
ومع هذا العدد تكون «فلسطين ـ السفير العربي» قد أتمت العام الثاني من صدورها… ولسوف تواصل التقــدم على الطريق رافعة علم فلسطين، توكيداً لـــروح المقاومة وإفشالاً لخطة العدو الذي يراهن على أن ينـــسى الناس أسماءهم وسمرة الوجوه التي تكاد تكون الهوية.

Exit mobile version