طلال سلمان

»الجمهورية« على رصيف موتمر

»الجمهورية«، إذن، على الرصيف بمؤسستها القمة: مجلس الوزراء ولو منشقاً إلى أكثرية لا تعرف كيف تحكم، وأقلية تشارك في الحكم من موقع المعارضة (؟)، ورئيس للدولة خسر حصانته ولكنه باقٍ بقوة العجز عن إسقاطه سواء في القصر أو في الشارع…
»الجمهورية« على الرصيف! ولم يكن ينقص المشهد الفريد في بابه، غير أن يتجمّع من حول أطرافها الذين يتنابزون بالألقاب ويتشاتمون أمام عيون العالم عبر الفضائيات، باعة »الفستق عبيد« والكعك بسمسم والقداحات وألعاب الأطفال البلاستيكية الرخيصة!
»الجمهورية« عارية، »ربي كما خلقتني«، والعالم يتفرج، بعربه وعجمه، بشرقه وغربه، فتأخذه الدهشة والطرافة وحتى الإعجاب (!) ويسلم بفرادة اللبنانيين، شعباً وقيادات سياسية مبتكِرة ومجدِّدة بل ومبدعة في فنون ممارسة السلطة وتجسيد الديموقراطية!
»الجمهورية« على الرصيف… والأمهات يحاولن الابتعاد بأطفالهن عن هؤلاء الذين يلعبون بمصيرهم وهم يمارسون فنوناً مبتدعة في ممارسة السلطة ويخترعون أنماطاً من الديموقراطية فريدة في بابها!
ما أبعد المسافة بين هذا المشهد المسرحي على الرصيف، والمشهد الآخر عبر الرصيف في تلك القاعة التي اصطنعت داخل المجلس النيابي، على عجل، لتقام فيها طاولة الحوار الوطني…
من حول تلك الطاولة، وفي جو من الوقار والتهيّب والشعور بالمسؤولية، جلس قادة التيارات السياسية العظمى متجاورين، تظللهم المجاملة الممهدة لسقوط جدار البُعد وغربة واحدهم عن الآخر، ومن ثم عدائيته، معلنة أو مستترة، تمهيداً لأن تستولد المعرفة عن قرب حداً أدنى من الود، بحيث يمكنهم مباشرة النقاش في مسائل الخلاف المعقدة بأصوات خفيضة مع تقبّل الاختلاف في الرأي والاجتهاد في صياغة الحلول الوسط!
… وهو إبداع لبناني فعلاً في تقديم مشهد ديموقراطي يستحق التهنئة ويستحوذ على إعجاب الأهل والأصدقاء في أربع رياح الأرض…
.. وكأن اللبنانيين محكومون بالثنائية في المشاهد كما في المواقف السياسية:
ففي الخرطوم خسرنا بعضاً من رصيد الوطن وشعبه المقاوم، عبر المزايدة كما عبر المناقصة، وبعض التفاؤل في قدرتنا على إنجاز مشروع الدولة التي ننوي بناءها،
وفي بيروت خسرنا ونخسر »المؤسسات« التي صارت هياكل عظمية مكلفة، بينما ترتفع مع الهواء لافتات المؤتمرات الدولية التي ستعقد من أجلنا خصيصاً، والتي تكفل لنا بناء دولة عظمى!
في أي حال، سيصل المؤتمرون الاثنين إلى طاولتهم الأثيرة، عبر طريق مليئة بالحفر الناجمة عن القصف المتبادل.. وسيجلسون إليها مرغمين، لأن أحداً لا يريد أن يتحمّل مسؤولية انهيار هذه التجربة الفريدة، وإن كان البعض سيعمل على أن يحرج البعض الآخر فيخرجه، ثم يتهمه بنسف »الفرصة الأخيرة«، ويمد يديه ليغسلهما »من دم هذا الصدّيق«!
»الجمهورية« على الرصيف.. ومؤتمر الحوار فرصة أثمن من أن تضيع حتى لا تسقط »الجمهورية« ممهدة لقيام كونفدرالية الطوائف.
والمسؤولية جماعية، والحساب عسير أمام اللبنانيين، أساساً، ثم أمام العرب والعالم أجمع.
وبرغم كل ما كان، فالكل يرى في المؤتمر باب النجاة، ولو عبر طلب نجدة الأشقاء والأصدقاء.

Exit mobile version