طلال سلمان

التوتر الأميركي الإسرائيلي.. وعقبات مفاوضات التبادل

غزة ـ حلمي موسى

وفي اليوم الثامن والثمانين، الأمل يحدونا بانفراج قريب وانكسار محتوم للعدوان والاحتلال.

لم يعد خفيا أن العلاقات الإسرائيلية الأميركية تشهد توترا متصاعدا، فيما تستمر الحكومة الإسرائيلية في المراوغة كسبا للوقت بهدف إطالة الحرب.

وذكرت صحيفة “اسرائيل هيوم” المقربة من حكومة نتنياهو أن الإعلان عن “تسريح” خمسة أو سبعة ألوية عسكرية من غزة ونقلها الى مهام أخرى جاء استجابة لضغوط أميركية.

وخلافا لحروب إسرائيل السابقة كلّها، كان الدور الأميركي هذه المرة واضحا وجليّا، ليس في تقديم السلاح والمعدات فحسب، وإنما في مساعي توجيه الإداء السياسي والعسكري أيضا. وعمدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للتعامل مع الحرب بوصفها شريكة فاعلة فيها، فشارك عدد من كبار المسؤولين الأميركيين في جلسات كابينت الحرب، وأيضا في النقاشات الميدانية العسكرية.

ويمكن القول إن الخلاف الأكثر وضوحا بين الطرفين هو ما صار يتمحور حول ما يسمى بـ “اليوم التالي”، أي ماذا ستفعل اسرائيل بعد انتهاء الحرب.

ومن الواضح أنّ إسرائيل لجأت إلى أساليب التسويف والمماطلة مع الولايات المتحدة بشأن مراحل الحرب وأهدافها، وذلك لتأجيل النقاش حول “اليوم التالي”.

وحاولت الإدارة الأميركية، بكل السبل، حمل إسرائيل الرسمية على مناقشة “اليوم التالي” واتخاذ قرار بشأنه.  وطالت المداورة الإسرائيلية وبدأت إدارة بايدن في التململ، ثم في إبداء التذمر وأخيرا في التصريح عن اعتراضها على السلوك الإسرائيلي. وقيل، صدقا أو كذبا، بأن إدارة بايدن اضطرت للجوء الى الضغط على إسرائيل عبر ابطاء شحنات الذخائر والسلاح. كما قيل إن واشنطن دفعت بعض الدول التابعة لها لمهاجمة السلوك الاسرائيلي.

ومرارا، تم الإعلان عن مكالمات هاتفية غاضبة بين نتنياهو وبين بايدن وبأن المطالب الأميركية صارت أكثر علنية وصراحة. وأخيرا أعلنت الولايات المتحدة سحب حاملة الطائرات “جيرالد فورد” من المنطقة، وهو ما اعتبره المحلل العسكري الإسرائيلي في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل “رسالة مفادها أن الغطاء السياسي والعسكري الذي وفرته إدارة بايدن لإسرائيل في حربها ضد غزة قد قارب على الانتهاء.”

قطاع مقسّم تديره العشائر

وقد أوضحت واشنطن ما ترفضه أكثر مما أوضحت ما تقبل به. ومن بين أهم ما ترفضه بشأن “اليوم التالي”، تقليص مساحة القطاع أو تهجير أهله أو إعادة احتلاله وإدارته من جانب إسرائيل.

لكن نتنياهو والقوى اليمينية المتشددة في ائتلافه يرفضون فعليا “لاءات” واشنطن المعلنة، ولا يتورعون عن إعلان مواقف مناقضة كليا لها.

فبن غفير وسموتريتش، ومعهما رهط من الليكوديين وأعضاء في أحزاب يمينية أخرى، يطمحون إلى طرد الفلسطينيين من غزة، طوعا او قسرا. ويستمر نتنياهو في الإعلان عن رفضه لـ “حماستان” او “فتحستان” في غزة، وهو عمليا يرفض أي حكم في غزة على أرضية وطنية فلسطينية، ولا يخجل من مناقشة خطط لإدارة عشائرية ليس للقطاع برمته وإنما لمناطق متفرقة منه، على أرضية جيوسياسية غير موحّدة.

وربّما يكون ذلك هو ما دفع نتنياهو، قبل أقلّ من أسبوع، للتراجع عن قراره بمناقشة “اليوم التالي” في كابينت الحرب، بعد تهديدات من سموتريتش بتفكيك الائتلاف الحكومي.

ولكنه يعود حاليا لعقد اجتماع اليوم لمناقشة “اليوم التالي”، إنّما بعدما بلور خطة بالتعاون مع الشاباك ومع الجيش لعرض اقتراح العشائر التي ستدير مناطق نفوذها وفق الإملاءات الاسرائيلية. ويهدف ذلك لإطالة النقاش في كابينت الحرب حول خطة “اليوم التالي” وكسب المزيد من الوقت للاستمرار في الحرب.

ولم يعد خفيّا أن لنتنياهو واليمين مصلحة واضحة في إطالة الحرب على أمل ان تبعد الجميع عن 7 اكتوبر وأن تحقق مزيدا من الإنجازات العسكرية التي يمكن البناء عليها سياسيا في “اليوم التالي”.

وفيما تتحدث واشنطن عن السلطة الفلسطينية، معدّلة أو كما هي، بوصفها الشريك في “اليوم التالي”، ترفض إسرائيل الرسمية هذا الحل، كما ترفض أيضا حل الدولتين.

وسارع سموتريتش وبن غفير، كل من جهته، لإعلان رفضهما لكل أشكال الحلول التي تُطلق في فضاء غرف المداولات لليوم التالي. وهما يرفضان الحلول الدولية والعربية والأميركية، ويصران على الحل الإسرائيلي. وفي تصريحاته العلنية، يبدو نتنياهو أقرب إلى موقفهما من قربه من الوجهة الأميركية.

وفي الواقع باتت مسألة اليوم التالي تتعلق بموعد انتهاء ما يسمى بالمرحلة الثانية من الحرب، وتوقف القصف الجوي والمدفعي الشامل، والانتقال الى المرحلة الثالثة التي تعني توجيه الفعل العسكري فقط الى “حماس” وفصائل المقاومة، وتجنب المساس بالمدنيين.

وقد سرت أنباء حول خلاف أميركي إسرائيلي حول موعد بدء المرحلة الثالثة من الحرب.

وكانت اسرائيل قد أوفدت إلى واشنطن، خلال الأسبوع الفائت، وزير الشؤون الإستراتيجية رون دريمر لمناقشة “اليوم التالي” والانتقال الى المرحلة الثالثة.

وأبلغ دريمر المسؤولين الأميركيين، بحسب “نيويورك تايمز”، أن إسرائيل ستنتقل قريبا إلى مرحلة أكثر دقة، وقال إن “أولى بوادر التغيير في العمليات الإسرائيلية ستظهر على الأرض عندما تنهي قوات الجيش عملياتها في شمالي قطاع غزة، والبدء في سحب عدد كبير من الجنود من هناك”.

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن ديرمر لم يحدد جدولا زمنيا دقيقا للأميركيين، وهم بدورهم ضغطوا عليه للانتقال إلى هذه المرحلة في أقرب وقت ممكن.

وفي السياق، من المزمع أن يزور وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إسرائيل يوم الخميس المقبل، حيث من المتوقع أن يجري مباحثات مع مسؤولين إسرائيليين بينهم رئيس الحكومة ووزير الحرب و”كابينيت الحرب” وتلقي ردا بشأن الانتقال إلى المرحلة الثالثة.

وتطرقت “نيويورك تايمز” إلى العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ بدء الحرب على غزة، ووصفت المحادثات الأخيرة بين بايدن ونتنياهو بأنها كانت “مشحونة جدا”، ومن بين ما قال بايدن لنتنياهو “عليك أن تفعل المزيد وتأخذ الأمور على محمل الجد”.

ولخصت الصحيفة بأن رسائل الإدارة الأميركية تتمحور حول أربعة أمور وهي أن “إسرائيل لديها حق الدفاع عن نفسها، يجب إنهاء تهديد حماس، زيادة المساعدات الإنسانية وتقليص الخسائر بين المدنيين في غزة”.

وأشارت إلى أن “هناك تلميحات بأن نتنياهو سيوافق في نهاية المطاف على قبول دور للسلطة الفلسطينية في غزة بعد إجراء إصلاحات داخلها. هو يدرك بأنه يجب أن تكون هناك حكومة فلسطينية إذا أراد أن تقوم دول الخليج العربي بتمويل إعادة إعمار القطاع”.

وإذا كان لهذا الكلام من معنى فإن واشنطن ترهن علاقات اسرائيل مع الدول العربية بقبول نتنياهو لدور السلطة الفلسطينية في اليوم التالي لأهداف سياسية وبراغماتية.

وقد أعلن نتنياهو انه سيسمح بدور للسلطة إذا أجرت إصلاحات داخلية وأثبتت ذلك بسلوكها في الضفة الغربية.

مفاوضات تبادل الأسرى

في غضون ذلك، لا حديث في مسألة التبادل والهدنة حتى الآن إلا عن عقبات. وجوهر العقبات يكمن في رفض إسرائيل المطلب الفلسطيني بعدم بحث التبادل إلا بعد وقف تام للنار. فتجربة الهدنة المشروطة كانت كارثية بالنسبة لإسرائيل، وتجربة الاحتلال في محاولة “تحرير” الرهائن كانت أيضا كارثية لإسرائيل، إذ أنها لم تحرر أسرى، وخسرت قتلى.

ولذلك هناك موقف من المقاومة يرفض مناقشة التبادل قبل الوقف التام للنار. وهذا الموقف لم يتأثر، كما يبدو حتى الآن، برغم الاقتراحات من جانب وسطاء.

وتتحدث وسائل الاعلام الاسرائيلية عن تصلب المقاومة وزيادة اشتراطاتها.

وكتب باراك رافيد في موقع “والا”، نقلا عن مسؤول إسرائيلي كبير أن “حماس” تطالب بأن يبدأ انسحاب قوات الاحتلال من القطاع في المرحلة الأولى من تنفيذ الاتفاق، على أن يتم، بعد تنفيذ المرحلة الأخيرة من الاتفاق، إعلان وقف دائم لإطلاق النار، ووقف فعلي لإطلاق النار. وحينها ستنتهي الحرب.

وبحسب ما قاله مسؤول إسرائيلي كبير لـ “والا” قدّمت حماس قدمت، يوم الأحد، إلى إسرائيل، عبر الوسطاء القطريين والمصريين، مقترحا “بشروط غير مقبولة”، لتجديد المفاوضات بشأن إطلاق سراح المختطفين، يتضمن المطالبة بانسحاب قوات العدو من غزة فور تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق.

وبرغم أن اقتراح حماس بعيد كل البعد عن الموقف الإسرائيلي، إلا أنه يشكل تغيرا طفيفا في الموقف العام للحركة التي كانت تتمسك بوقف النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، قبل استئناف مفاوضات إطلاق سراح الرهائن.

وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن حماس مستعدة الآن لبدء المفاوضات على الفور حول اتفاق جديد لإطلاق سراح الأسرى، مضيفا أن اقتراح حماس يصف عملية من مراحل عدة، تشمل كل مرحلة وقف لإطلاق النار لمدة تزيد عن شهر مقابل إطلاق سراح الرهائن.

ولكن، بعد دراسة اقتراح حماس، أرسلت إسرائيل رسالة إلى حماس عبر الوسطاء مفادها أن الاقتراح غير مقبول. وقال المسؤول الإسرائيلي أن “المفاوضات ما زالت مستمرة. لم تعد عالقة، لكنها لم تتقدم بعد”.

Exit mobile version