طلال سلمان

البحث عن بديل مستحيل

من حقنا أن نغضب. غضباً كثيراً. لم يتغير شيء أبداً. من حقنا أن نيأس. يئسنا. ثم، لا أمل ينبت في الهاوية. من حقنا أن نموت. متنا. ولكننا بقينا نتنفس. ومن حقنا أن نأمل أيضاً. وهذا صعب، بل، ربما مستحيل. فلنراهن قليلاً على الأمل – نقول: لا بد إذاً من نهاية المأساة.

إنما، علينا، قبل ذلك، أن نسأل: لماذا حدث ما حدث؟ وعلى ماذا سنراهن كي نبدأ. علماً، أن ما حدث قد تكرّر مراراً. كثيرة الشواهد، على ماضٍ عسير، دموي، مزغول. وكثيرة أيضاً، كتابات التفاؤل وادعاءات العصمة اللبنانية. فهو، كطائر الفينيق و.. ثم، لا بد لليل أن ينجلي.

من أين نبدأ؟

يقولون ويُردّدون ويتشدقون ويرغون ويزبدون، أن خلاصنا يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية وتعيين رئيس حكومة وتأليف حكومة وسلسلة من الوعود بالنهوض والإصلاح، واستعادة العافية السياسية والمالية والاقتصادية وإلى آخره.

كذب. كذب. كذب.

كل ما يتداولونه من سقط المتاع. وعود تالفة وكاذبة. انتخاب رئيس “جديد”، بثياب رثة، ووعود نتنة. كذب ودجل ورقص على حافة الهاوية. أزمة لبنان الرهيبة والسحيقة، لا تُعالج برئيس يولد من مخاض التسويات، بين الطوائفيات المستقوية، والأصدقاء الأعداء، (أو الأعدقاء) إضافة إلى أن المرآة لم تنكسر بعد، لترينا، أن أزمات لبنان لم تكن بسبب رؤسائه، بل بسببهم كلهم. الذين “حكموا” لبنان، تحكّموا به على قاعدة، “ما هو لنا هو لنا، وما هو لكم، هو لنا كله من الألف إلى الياء”.

وعليه، لا تثق كلبناني، بكل ما يُقال. إنهم يقولون، وهم مطمئنون إلى أن جماعاتهم المربوطة بكواحل وأحذية قياداتهم، سيصدقون ولو جاعوا.

لا تثق بكل ما يفيض كذباً وعهراً من وسائل “إعلامهم” الكذوب. هم يعرفون موتنا السياسي وأننا مدفونون بعصبيات وأوهام وترَهات ونفاق وادعاءات.

باختصارٍ شديدٍ، ليس لدى نسل السياسيين في لبنان أي بادرة. إنهم ركام. يبنون على ركام. الآتي أيضاً مسلسل ركام.

ليست المرة الأولى. لبنان واضح جداً، ولكن مسكوت عنه. هؤلاء ومن كان قبلهم، وهم من نسل واحد، تزاحموا على نهش لبنان وتدميره و.. إعادة ترميمه، وتعميم ثقافة: “عفا الله عما مضى”. لكن ما مضى، لن يكون أسوأ من النزول المستدام، إلى الجحيم.

لماذا حصل كل هذا؟

أولاً؛ غياب الأحزاب العلمانية. كأنها صارت ركاماً. ماضيها معيب جداً. تحالفت مع الطوائفيات، هنا وهناك. كل الحروب التي خاضتها أحزاب العقائد “المجيدة”، انتهت إلى تسليم رسن الحلول، إلى “أبوات الطوائفيات”، ودكتاتوريات العرب وأحضان الدول الغربية “الشقيقة”.

ثانياً؛ تراجع أنشطة المجتمع المدني وأنديته وثقافته. لم نعد نسمع بنشاطات فعالة، لا فولكورية، تُعبّر عن رفض وترسم أفقاً. كلامها لا يصل صداه إلى أمكنة مهجورة ومتعبة. الجمعيات والأندية أفلست. تكرار+ تكرار= طرش.

ليس في الواقع اللبناني، إلا شتات أناس، طيبين، متألمين، صادقين. أناسٌ يحلمون، ولكنهم يسيرون في عتمة. لا ضوء يُدشّن المسار. النفق اللبناني، دائري. يحاصرنا من كل الجهات. لذا، نحن في المرحلة الأخيرة من الإنحلال.

ثالثاً؛ الكذب الصافي. الفضيحة اللبنانية، هي في رفع شعارات السيادة والحرية والديموقراطية والمساءلة. عيبٌ هذا الفجور. مطالب المجتمع المدني ومن يُمثّلونه في مواقع شتى: نيابات، جمعيات، نقابات، إلخ.. كل هذا هراء. مدائح وخسائر. لم نتقدم قيد أنملة من هدف بسيط ومتواضع. لا أعرف، إن كان هؤلاء، يعرفون أن السلطة تنين. ومن سيماء القيادات السلطوية المزمنة، الطاحنة للأزمنة، يعرفون ذلك. هم ألسنة التنين ونيرانه وغضبه وجموحه. سُلطتنا هي سلطةٌ نهمة تراكم المزيد من الجشع والسرقة، وتعظ الناس بالوهم. السلطة سرطان شائع، في فيافينا العربية. المسألة ليست في النصوص. العرب أنجبوا متحفاً للأفكار والأديان والعقائد. متحف بلا حياة. أما ما هو مطلوب، فلم ينجبوا شيئاً منه، لأن الفراش الزوجي سياسياً، يمنع إقامة دولة القانون.

لا تصدقوهم عندما يختلفون قضائياً أو دستورياً أو قانونياً. إنهم “زناة الهيكل وقحابه”. لا تصدقوهم عندما يتحدثون عن الديموقراطية. وخصوصاً التوافقية. هم يتوافقون على المغانم.

لقد أبلسوا الدولة. علاقتهم بنا، هي علاقة جلادين وضحايا. لذا، يجب الغاء تسمية المجتمع المدني كلياً. إنه مجتمع أهلي، طائفي، تزاحمي. لا وجود لأقلية وأكثرية في لبنان. أكثريتهم أقليات. لكنها أقليات تدوس سواها دوساً مستداماً.

هذا هو لبنانكم، هكذا كان. وهكذا سيكون، إن ظل على قيد الحياة.

رابعاً؛ وقائع السقوط والانهيار اللبناني، وانعدام الحلول راهنا، تفضي الى ما يلي:

اللغة لم تعد تعني شيئاً. إنها تهذر.

ونحن أيضاً، لم نعد نعني شيئاً. لذا، فإن آلامنا صامتة.

والشعارات، احتفال بالتفاهات.

أخيراً: خلص.

Exit mobile version