طلال سلمان

»الاصلاح« لا يكون ب»زوار فجر«

لم يفاجأ حسين العودات، قطعاً، حين جاءه »زوار الفجر« ليعتقلوه، بوصفه »ناشطاً« يكتب ويحاضر ويساجل مقدماً صورة مشرقة لمثقف عربي تقدمي هو في قلب الطليعة الوطنية في سوريا.
ولعل أكثر الناس لم يفاجأوا بأن يطال التقدير الخاطئ إدارة »منتدى جمال الأتاسي« في دمشق، فتمتد اليد الأمنية إلى هذه المؤسسة الثقافية الناشطة دون استفزاز ودون رغبة في التحدي، والتي شكلت رئة للتنفس وشهادة »للعهد الجديد« بأنه راغب في الشروع في الإصلاح وفي الأخذ بقدر من التغيير الضروري، بل الحتمي… وقد كان حسين العودات واحداً من »الناشطين« من ذوي الحكمة والحرص على عدم استفزاز السلطة حتى لا ترتكب مزيداً من الأخطاء. لكن فجر الأمس شهد الخطأ الجديد، واقتيد »أبو خلدون« إلى المعتقل.
لكأن في السلطة من يتعمّد الإساءة إلى النظام ورئيسه الذي أظهر، في أكثر من مناسبة، رغبته في إطلاق حوار وطني لتمتين الوحدة الداخلية، لا سيما أن الشعب السوري قد أكد عمق وطنيته وعمق التزامه القومي في أقسى الظروف التي واجهت سوريا، دولة ودوراً… وها هو قد قدم مواجهة مخاطر الحصار الأجنبي والتصدي لكل أشكال الضغط إلى حد التجويع، الذي مارسته وما تزال تمارسه الإدارة الأميركية على دمشق، معززة بالتهديد
الإسرائيلي المفتوح، لا سيما بعد الاحتلال الأميركي للعراق، على أسباب اعتراضه على ممارسات السلطة وضيق صدرها بأي صوت ناقد أو معترض ولو بالدعوة إلى التصحيح لتصليب الإرادة الوطنية. لكن ذلك كله لم يشفع »لأبي خلدون« وصحبه، فكانت »زيارة الفجر« أمس شهادة.
ومع أن النهاية المفجعة التي انتهى إليها الدور السوري في لبنان كانت درساً قاسياً، فإن العقلية الأمنية ما تزال تفترض أن القمع والاعتقال والمصادرة يمكن أن تعيد قدراً من الاعتبار إلى هيبة سلطتها، ولو على حساب سمعة سوريا ودورها، وها هي تواصل الإساءة إلى نظامها والتسبّب في التشهير به، عربياً ودولياً.
إن إقفال منتدى يحمل اسم مناضل عريق ومفكر عربي متميز، هو أحد آباء حزب البعث بصورته الأبهى، الدكتور جمال الأتاسي، بذريعة أن بعض المتحدثين فيه قد »تجاوزوا الحد«، ليس شهادة للسلطة برحابة الصدر والحرص على الحوار الوطني وتقبّل آراء من يريدون الخير لسوريا والحرية لشعبها، من دون استفزاز النظام أو تحديه… بل هي إساءة جديدة إلى صورة الرئيس بشار الأسد الذي استبشر الناس بخطبه وأحاديثه وانفتاحه على مختلف القوى التي تعارض الخطأ، والتي أظهرت استعدادها لدعمه في جهده الإصلاحي.
كذلك فإن تزايد موجة الاعتقالات الكيدية والتي تستهدف أصحاب الرأي من المفكرين والمثقفين والناشطين سياسياً، من دون الرغبة في استفزاز النظام، لا تترك مجالاً للاستبشار بالإصلاح الموعود والذي قيل إن مؤتمر حزب البعث سيعلن أخيراً إطلاق برنامجه الثوري.
لا إصلاح بلا حريات. لا تقدم بلا ديموقراطية. لا صمود للوطن مع اضطهاد الوطنيين.
والمطالبة بإطلاق سراح حسين العودات ورفاقه، سواء في المنتدى أو خارجه، تكاد تكون بذاتها شهادة إدانة جديدة للسلطة الأمنية واغتيالاً لحلم الإصلاح.

Exit mobile version