طلال سلمان

اكتُب يا طلال سلمان…. لعلّنا نتذكر واياك عروبتنا

لطلال سلمان في وجداني وذاكرتي وقلبي مكانُ كبير. وله في تاريخي المهني فضلُ الأولوية، فمع جريدة “السفير” عرفتُ أسرار مهنة الصحافة المكتوبة، ومن على صفحاتها تعرّفت على البعد العروبي الحقيقي، وعلى صفحاتها أيضا نشرت أهم تحقيقاتي التي قادتني الى دول العالم قاطبة، فسرت على الدرب نفسه الذي سار عليه قبلي طلال سلمان.

كلما زرته، أجدد الشعور نفسه. أشعر بأن طلال سلمان من افراد عائلتي، أو أنى من عائلته. نتعانق، نبتسم، يعاتبني على طول الغياب ويؤنبني، وأنا أبتسم واقبَلُ برحابة وفرح عتابه واللوم، وأقبّل جبينه طالبا منه السماح لطول غيابي. نمرُّ قليلا على مآسي الوضع الحالي، ثم نغوص في ذكرياته الغنية والجاذبة والتي تختصر جزءا كبيرا من تاريخنا العربي الحديث بإشراقاته ونكساته.

يحدثني بشغف المحب عن الجزائر بعد ثورتها المجيدة، كيف حضر أول اجتماع لبرلمانها وكان النقاش حول شراء بزّة لرئيس البلاد أحمد بن بلا. ذلك ان الشرفاء ما كانوا يملكون شيئا غير الكرامة وعزة النفس وشجاعة نادرة لتحرير البلاد. ويحكي لي عن لقاءاته الاولى مع مصر العروبة مع جمال عبد الناصر وعن سهرات الشعر والأدب والنضال. ثم نتوقف عند حصار بيروت والتآخي مع القادة الفلسطينيين والحوارات الطويلة مع الرئيس ياسر عرفات ومع قائد الحركة الوطنية كمال جنبلاط. نستعيد سويا رسم معالم نضال جريدة “السفير” ضد المحتل الإسرائيلي أثناء غزو بيروت، وعن تعرضه هو نفسه لمحاولة اغتيال كادت تودي بحياته وهشمت نصف وجهه وجسده من عملاء الاحتلال في الوطن المقاوم، ثم نذهب الى اليمن وأهله الطيبين نستعيد خصوصا روايات الجنوب، ونعرّج على قلب العروبة سوريا، فيطول الحديث عن الحوارات واللقاءات مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، ثم عن العراق الجريح، وليبيا والسودان وصولا الى آخر شبر من هذا الوطن العربي الكبير.

ألتفتُ بين حين وآخر الى ما بقي من لوحات في مكتبه، فأرى رسوم ناجي العلي تختصر هموم فلسطين وقبضات أبطالها، ولوحات للبنان القديم، وعلى الطاولة أمامه آخر الروايات والشعر والأدب والسياسة، ومقبضٌ رياضي لتمرين كفّه، ومقال لم يكتمل بعد سوف ينشره على موقع “السفير” بعد أن أقفلت هذه الجريدة العربية العريقة أبوابها بسبب قلة المال.

لا يزال طلال سلمان، يمارس هواية الكتابة، لا أقول حرفة رغم احترافه الكبير، أقول هواية، لأنه ما زال يكتب بحبّ ويحلل بشغف وألم، ويتذكر من هناك من الطابق السادس محطاتٍ مضيئة وصعبة ونضالية من تاريخنا العربي الحديث، ليصل الى سوء حالنا. مع ذلك يحافظ على ابتسامته ليقهر الزمن، ويحكي عن كيف لجأ الى تأجير كل طوابق مبنى “السفير” كي يعيل عائلته الكبيرة، وأبقى على طابقين فقط، واحد له ولمن بقي من مساعديه، وآخر سيحوله الى منتدى للقاءات الثقافية والفكرية باسم “منتدى السفير العربي”.

استمع الى كل ذلك أيضا بحب وشغف وحسرة وألم. الحسرةُ على صحيفة كان لها في النضال ما كان لكبار المقاومين، وفي العروبة والفكر والتضحية مكان الصدارة فانتهت كأنها لم تكن أبدا بينما أعداء العروبة والنضال والفكر يرسمون أبشع سيناريوهات انهاء قضية فلسطين باسم صفقة القرن. ثم ألتفتُ اليه وأقول: “إن من واجبك وليس من ترف القرار، أن تكتب لنا كل أسبوع واحدة من ذكرياتك العربية، لان الأجيال الجديدة ما عادت تعرف شيئا عن كل ذلك التاريخ”. يرتشف شيئا من فنجان القهوة الابدي أمامه ويقول: “والله يا سامي أخاف من الكتاب لأنه مسؤولة كبيرة، لكن معك حق يجب أن اكتب”… أكرر طلبي بإلحاح أكثر: “هذا واجب وليس ترفا يا أبا أحمد، وانت تعدني منذ عامين بأن تكتب ولم تفعل” .. .

ثم اهدده ضاحكا: “سوف أنشر اليوم إنك التزمت بالكتابة أسبوعيا، وأطلب من القرّاء، أن يقولوا لي رأيهم، هل يجب أن تكتب أم لا؟”. يضحك بفمه الذي لا يزال يحمل آثار محاولة الاغتيال، ويقول من فوق جسده الفارع رغم العمر وأناقته التي لم تفارقه يوما: “أعدك أني سأبدأ الكتابة عن كل تلك الذكريات”، ثم نعانق بعضينا ومعنا هذه المرة الصديق المحب والطيب والزميل المحترف اسعد حيدر، ونتواعد أن نلتقي قريبا..

أتمنى لطلال سلمان طول العمر، لكني أخشى أن أعود يوما ولا أجده في الطابق السادس ولا أجد ذكرياته.فمن كان يعتقد أن السفير قد تُقفل يوماً؟

ما رأيكم، اليس من واجب طلال سلمان أن يكتب لنا أسبوعيا عن اسرار لقاءاته وحواراته وزيارته الهامة الى وطننا العربي؟؟؟

سامي كليب

فيسبوك 3052019

Exit mobile version