طلال سلمان

افضل رسول لاخطر مهمة

تجيء زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى لبنان، ومن بعده إلى سوريا، في »موعدها« تماما، سواء بدلالاتها المباشرة، ولو تبدّت رمزية، أو بأبعادها المحتملة إقليميا ودوليا.
إنها »مهمة« تحمل في ذاتها عناصر نجاحها: إن في شخص الزائر الكبير، أو في اللحظة السياسية لإنجازها، وهي لحظة مثقلة بنتائج الاحتلال الأميركي للعراق، بتداعياتها المؤثرة على حاضر منطقة »الشرق الأوسط« ومستقبلها، كما بالمشروع الأميركي لتجميل صورة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بخريطة يضيع معها وفيها طريق شعب فلسطين إلى حقوقه وبينها حقه في دولة على »بعض« أرضه.
لا يأتي الرئيس الإيراني محمد خاتمي لإقامة »محور« محارب ضد مشروع الهيمنة الأميركية المفردة والمطلقة على هذه المنطقة من العالم، بما فيها إيران الثورة الإسلامية..
ولا هو يأتي لإعلان الحرب، فورا وبالسلاح، على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وبعض الأرض السورية وبعض الأرض اللبنانية.
لكن زيارته تتوّج علاقات من طبيعة استثنائية ربطت بين هذه الدول الثلاث، على المستوى الرسمي كما على المستوى الشعبي، على امتداد نحو ربع قرن من الزمن، فكانت حيوية ومفيدة لأطرافها جميعا، بحيث ظلت تبرر ضرورتها، حتى عند الاختلاف في التحليل أو التعارض في المصالح، ولو آنيا.
إنها زيارة تفيد أطرافها جميعا، وتعزز القاعدة الصلبة لما هو مشترك في رؤيتهم لموجبات الحماية الضرورية لأوطانهم ومصالح شعوبهم.
لم يكن بين هذه الأطراف من هو »صديق« للنظام الذي سقط في العراق، لكنها جميعا جهرت بموقفها الاعتراضي على الاحتلال الأميركي لهذا البلد العربي الأساسي، ولا بد أنها ترفض أن تشارك في حماية هذا الاحتلال، وفي تأمينه ضد شعب العراق واحتمال مقاومته له، وهو احتمال قائم ستعجل في بلورته الأخطاء
الفاحشة التي ارتكبتها وترتكبها قوات الاحتلال، ومجمل السياسة التي تعتمدها الإدارة الأميركية والتي تنضح بالعداء للعرب والمسلمين.
والاعتراض على الاحتلال الأميركي للعراق هو في أبرز وجوهه دفاع مشروع عن النفس…
كذلك فإن حماية المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، ولو بالموقف السياسي، هي دفاع مشروع عن النفس..
لقد كانت مهمة كولن باول في زيارته قبل عشرة أيام، لكل من سوريا ولبنان، »هجومية«، الهدف الأساسي منها حماية الاحتلال الأميركي للعراق، ملوحاً بمطالب الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وكأنها »شروط« أميركية للرضى عن هذين البلدين، مع تجاهل استمرار هذا الاحتلال الإسرائيلي لبعض أرضهما، فضلاً عن حقوق الفلسطينيين الذين فرض عليهم الاحتلال ذاته اللجوء إليهما.
وها هو كولن باول يكرر، ومن قلب فلسطين المحتلة، تهديداته المباشرة لسوريا، وبشخص رئيسها الدكتور بشار الأسد، متجاوزاً الاصول الدبلوماسية والحنكة السياسية، بضرورة تمييز نفسه عن »مضيفه«: الاحتلال الإسرائيلي.
ولولا خطورة الموقف لاعتبر كلام باول عن ضرورة ان تختار سوريا بين علاقتها بالولايات المتحدة الأميركية او بين »حماس«، نكتة سوداء!
وإذا كان تطرف السفاح أرييل شارون واحساسه بمتانة علاقاته بالإدارة الأميركية، بمختلف أركانها، بحيث يكاد يكون »المرشد الروحي«، ان لم نقل »الموجه السياسي« لها جميعاً، قد تكفل بإفشال مهمته لدى إسرائيل، وبمعزل عن الموقف الفلسطيني من خريطة الطريق، فإن الوزير الجنرال قد وجد »المخرج اللائق« بأن يكرر تهديداته إلى سوريا!
.. فضلاً عن ان »مرشد« الفلسطينيين إلى »دولتهم« العتيدة بخريطة الطريق التي تجاهلها شارون تماماً، قد باشر مهمته بتوجيه إهانة بالغة القسوة إليهم وذلك بإسقاط رئيس هذا الشعب، ياسر عرفات، من حسابه، ورفضه الاجتماع به، مكتفياً بلقاء مع رئيس الحكومة الذي فرض فرضاً على »الرئيس« الاسير (وشعبه) وهو المنتخب ديموقراطياً وعلى الطريقة الأميركية.
* * *
ان الرئيس محمد خاتمي، برصيده الممتاز من الاحترام، كمفكر كبير مسكون بهموم الإنسان، المنادي بحوار الحضارات، والمتمتع بثقة الأغلبية العظمى من شعبه وهو يحاول قيادته نحو طموحه المشروع إلى الديموقراطية وإلى العدالة مع الكرامة، ومع الايمان، هو أفضل رسول في أنسب وقت لأخطر مهمة.
ومؤكد ان اللبنانيين جميعاً، وباختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية والدينية، سيرحبون بالضيف الكبير، أجمل ترحيب.

Exit mobile version