طلال سلمان

»اعلان مختارة« كنجدة لفلسطين

فرض »الموعد« لغته: فقبله مباشرة 17 أيار، والفتنة بل الفتن التي حاولوا بها التمهيد لاتفاق الإذعان (1983)، وبعده مباشرة تجيء ذكرى الانتصار المجيد في 24 أيار (2000) وإجلاء الاحتلال الإسرائيلي عن الأرض اللبنانية (عدا مزارع شبعا)، بالمقاومة الباسلة التي غدت قدوة لكل شعب مقهورة إرادته ومغتصبة حقوقه في وطنه.
ومؤكد أن »الموعد« كان في ذهن الداعي، وليد جنبلاط، والمكرّم، نائب الرئيس السوري، عبد الحليم خدام، ولذا اتخذ اللقاء طابع تجديد التحالف ورفقة السلاح في وجه العدو القومي الذي ما زال يقاتل وبوحشية في فلسطين، كل الأمة العربية مهدداً حقها في أن تحيا بكرامة فوق أرضها، وفي أن تبني بإرادتها الحرة مستقبلها اللائق بكرامة إنسانها.
»المختارة، بل لبنان، جزء من الشام، ونحن في المواجهة بعض سوريا، نقاتل معاً اليوم وغداً كما قاتلنا بالأمس معاً، وما كنا لنستطيع أن نحقق النصر العظيم بإسقاط اتفاق 17 أيار لولا الدعم السوري المفتوح ومشاركة المقاتلين من اخواننا الفلسطينيين مع كل القوى الوطنية والإسلامية..«.
وعبد الحليم خدام يوافق وليد جنبلاط على أن المعركة لما تزل مفتوحة، وأن الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل السفاح شارون على فلسطين، ومحاولتها سحق انتفاضتها المجيدة، إنما تمهّد بها لفرض اتفاق جديد سيكون أبأس من 17 أيار الذي أريد فرضه على لبنان قبل حوالى عشرين عاماً، وتوجب على لبنان (ومعه السوريون) أن يسقطه بقوافل الشهداء.
لقاء المختارة، إذن، لم يكن مناسبة اجتماعية، وإن كان عنوانه المباشر تكريم عبد الحليم خدام، بل كان »حدثاً سياسياً«، عربياً بامتياز، يتجاوز بدلالاته الإطار المحلي، ليعلن موقفاً داعماً للانتفاضة، كاسراً حاجز الصمت العربي الرسمي المريب، منبهاً السلطة الفلسطينية الى خطورة ما يدبر لفلسطين ومحذراً من التورط فيه، مهما اشتدت عليها الضغوط »الأخوية« المستندة إلى وعود هلامية أميركية يفضح خواءها التطرف الإسرائيلي، يومياً.
الحرب الإسرائيلية مفتوحة، ولعلنا نشهد الآن بعض أقسى جولاتها، خصوصاً وقد باتت فلسطين ميدانها. والرهان الإسرائيلي في فلسطين اليوم كما كان مع لبنان بالأمس، استفراد »صاحب القضية«، خصوصاً وأن التردي العربي يوفر لها فرصة لا تقدَّر بثمن إذ يمكِّنها من الالتفاف عربياً على »الفلسطيني« اليوم، كما حاولت الالتفاف على »اللبناني« بالأمس.
ولقد كان »رئيس اتفاق 17 أيار« اللبناني يتباهى أمام المعترضين من زواره بأن »كل العرب« معه، ثم يمد يده إلى الهاتف متحدياً محدثه: »قل لي على من تراهن وسأطلبه الآن لتسمع منه مباشرة أنه معي وليس معك«!!
ثم يختم تباهيه بلازمة شهيرة: »أمجنون أنت؟! هذا اتفاق يرعاه الرئيس الأميركي مباشرة، وقد أعطاه وزير خارجية الولايات المتحدة من وقته أكثر مما أعطى أية مسألة سياسية أخرى، فمن يستطيع إسقاطه«؟!
بل أن رئيس اتفاق 17 أيار لم يكن يتورع عن محاولة الإيحاء بأن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد نفسه »لا يعترض على اتفاق يحظى بإجماع اللبنانيين«، وهي جملة تتضمن من المغالطات بل من الأكاذيب ضعفي عدد كلماتها.
.. وإلى حافظ الأسد نفسه ذهب رئيس اتفاق 17 أيار تائباً مستغفراً، لاستنقاذ رئاسته بعد هزيمة »مشروعه«.
لقد اختلف الزمان. لكن العدو يظل عدواً والقضية الحق تظل القضية الحق.
وها فلسطين قاتلت وتقاتل ببسالة منقطعة النظير: يعوزها السلاح فيحاول فتيتها الميامين تعويض نقص السلاح بدمائهم يفجرونها في عدوهم الذي يحاول تدمير كل أسباب حياتهم وحقهم في مستقبل يليق بتضحياتهم الجليلة.
لا يستعاد الماضي، لكن المبادئ لا تشيخ، والمواقف الصحيحة تظل صحيحة وإن اختل توازن القوى.
ولقد كانت إسرائيل في العام 1983 أقوى من لبنان، ولو مدعوماً من سوريا، إذا كانت الحسبة مبسطة تتركز حول القوة العسكرية وأعداد الطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ والميزانية المخصصة للعدوان.
وهي اليوم أقوى من شعب فلسطين، الفقير حتى الإملاق، والذي لا دولة له، ويتناقص مناصروه يومياً، نتيجة الضغط الأميركي الهائل، والابتزاز الإسرائيلي المفتوح لمجتمعات الغرب والشرق على السواء، كما نتيجة للتهالك العربي على طي صفحة فلسطين بأية »تسوية« مهينة، ولو كانت دون »اتفاق الإذعان« الذي أسقطه لبنان.
و»إعلان المختارة« يأتي من خارج السياق العربي المفروض.
وقدر سوريا ولبنان الوطني وفلسطين الوطنية أن تواجه »الإذعان«، وأن تسقط اتفاقاته المفروضة، بالدم حيث لا تنجح السياسة وحدها.
وسيكون الصدى العربي لهذا الإعلان نقطة تحول في المناخ السائد الذي يحاول أن يشتري سلامة أنظمته عبر التضحية بفلسطين.. ومن معها.

Exit mobile version