طلال سلمان

اعدام فلسطيني بعد موتة

لم تبقِ إسرائيل من »لغة مشتركة« مع الفلسطيني إلا الموت!
ولم يعد لدى إسرائيل، لا سيما بعد تولي ارييل شارون زمام السلطة فيها، ما تعرضه على الفلسطيني غير أصناف متعددة من الموت: اغتيال القياديين بالقصف المدفعي أو بقصف من الجو، قتل الأطفال بالرصاص أو بنسف بيوت ذويهم وهم فيها، وتدمير مراكز الشرطة على رؤوس عناصرها المحددة حركتهم والمحدود سلاحهم والفقيرة ذخيرتهم.
لا شيء غير الموت، معجلا أو مؤجلا، وغير القتل المنهجي لإحلامه في غد ما، بعد حقوقه في أرضه. ولقد بات تقليدا أن يتجمع الفلسطينيون كل يوم في مسيرة غاضبة تحمل نعوش الشهداء الجدد إلى المقبرة القديمة قدم وجودهم فوق أرضهم.
أسقطت إسرائيل الاتفاقات جميعا، السياسية وشبه السياسية، الأساسية كأوسلو والتكميلية كطابا وشرم الشيخ، الأمنية الشاملة أو الجزئية… وهي اتفاقات كان يصنفها الفلسطيني »مهينة«، ومع ذلك لم يقاتل ضدها، مفترضا أنها قد تكون خطوة أولى لها ما بعدها، وأنها قد تكسر حدة العداء المتراكم عبر ستة عقود، لتفتح الباب أمام تعايش ما بين الكيان الصهيوني النووي الحصين، وبين الكيان الفلسطيني الهش والذي لا بد من حجزه في غرفة العناية الفائقة لجيل أو جيلين في انتظار معجزات قد تقع مستقبلا (وقد لا تقع!)..
نفض المجتمع الدولي، بقيادته الأميركية، يده من مشاريع التسوية السياسية، وسحبت من التداول كل أصناف »المفاوضات« حول الكيان السياسي للفلسطينيين.
أصاب الهلع العرب فتلطوا وراء اتفاقات جزئية ترتكز الى منطلقات »أخلاقية«، خارج السياسة، مثل تقرير ميتشيل، أو إلى مشروع مبهم وغير منصف بل ومهين لوقف اطلاق النار أملته المخابرات المركزية الاميركية على الفلسطينيين من دون ان تتحمل مسؤولية تنفيذه بإلزام الاسرائيليين به.
منعت اسرائيل عن الفلسطيني فرصة الحياة فهاجمها بسلاح موته.
تقدم الفتى العشريني الذي حرمته اسرائيل من فرصة الحياة ليفجر نفسه بهذا العالم البشع من العنصرية والكراهية والشهوة الى الدم.
لم تكن امامه فرصة لانتزاع الاعتراف بوجوده الا بالموت في وسطهم وبصحبتهم. انه ميت ميت، فليموتوا معه، وليغضب الرأي العام العالمي لموتهم طالما انه لا يعبأ بحياته. وليدب الرعب في قلوب سلاطين العرب خوفاً من الانتقام الاسرائيلي، او الاميركي او كليهما معاً، لعل موته يجعلهم يخافون بداية غضبة شعوبهم التي يمزقها الشعور بالهوان.
لم تكن امامه فرصة لان يعيش فوق ارضه. لان يحلم بأن يخطب الفتاة الجميلة التي يحب، وبأن يتزوجها فينجب منها ابناء وبنات يتعلمون في المدارس ثم في الجامعات، ويذهب بها معهم مستقبلا الى مطعم او مسبح، ويقدم لها اضمومة ورد وياسمين في عيد ميلادها.
لم يكن يحق له الامل بأن يكون له بيت، في وطن بناه اجداده وتوارثوه عبر آلاف السنين، وبأن يحمل جواز سفر شرعياً تستقبله به دول العالم من دون اضطهاد، فيزورها سائحاً كما سائر خلق الله.
كان يحب ان يعلن موته قبل الموت، لكي يعترف به شارون. فطالما ظل حياً فإن »دورة العنف ستستمر«، ولا ضرورة للمراقبين الدوليين، فلا ضرورة للشهود على موت المنذورين للموت الممنوعين من الحياة.
.. مع ذلك فإن قادة العالم، وبينهم سلاطين العرب، يدينونه بعد الموت. لم يعترفوا به حيا، وها هم يحكمونه بالإعدام ميتا.
صارت دولة القتل الجماعي »ضحية«، أما المقتول الفلسطيني فإرهابي متوحش معاد للإنسانية.
كم مرة على هذا الفلسطيني أن يتقبل القتل: تقتله اسرائيل، ويقتله العالم، ويقتله العرب، وربما وجد بين الإسلامويين من يقتله مرة رابعة بتهمة الكفر.
وليس أمام الفلسطيني فرصة للترف: فأمامه طريق وحيدة الاتجاه من الموت إلى الموت، ولذلك يحاول ألا يذهب وحيدا!

Exit mobile version