طلال سلمان

اعتراف بالمواطن و.. الدولة؟!

اتفاق »الحلفاء« أعظم كلفة من توافق الخصوم،
والانتخابات في »واحة الديموقراطية في الشرق العربي« غالية جداً، لا سيما إذا كانت على مستوى رفيع كالبلديات والمختارين،
أما الإصلاح الإداري فيبدو أنه عزيز المنال الى حد أنه يستوجب حرباً،
.. وكذلك الرقابة المالية على المجالس والصناديق التي تتصرف بالنسبة الأعلى من أموال المكلف اللبناني، خصوصا إذا ما أضفنا إلى المال قيمة الفوائد على هذا المال، وهو بمجمله ديون تجارية،
يمكن الاستطراد مع هذا المنطق إلى نهايته السعيدة كما تجلت في »برنامج النقاط الست« الذي أوقف »حرب الرئيسين« بعد أن استعرت طوال أسبوعين استهلكت خلالهما أعصاب اللبنانيين والكثير من احتياطي مصرفهم المركزي وهزت الثقة الدولية المستعادة بصعوبة والتي ما تزال طرية العود بالجمهورية ومؤسساتها العتيدة.
الكل خاسر،
ففي معركة هذه طبيعتها لا يمكن أن يكون ثمة منتصر، والمهم مع الاعلان الثنائي (المصور) لانتهائها: تحديد الخسائر،
كيف يكون ثمة رابح إذا كان الشعب كله قد تجرّع، وما زال، كل هذا الكمّ من المرارة، وافتقد الأمان، وعاد قلقه على غده يقض مضجعه، كما في أسوأ أيام الحرب، خصوصاً وأنه كان يشهد بأم العين التمدد السرطاني لوباء الطائفية، بل المذهبية، وهو ينهش آماله وأحلامه في وطن وفي دولة وفي مؤسسات للحكم تظل أكبر من شاغليها مهما عَظُمَ شأنهم؟!
صحيح أن الانتخابات البلدية والاختيارية مطلب شعبي ظل ملحاً برغم تقادم العهد به، لكن التسليم بضرورة »إنجازه« أخيراً وبعد أكثر من ثلاثين عاماً من الانتظار، لا يعني إلا الاعتراف المتأخر بغلط مزمن، وإلا التقدم خطوة واحدة على طريق طويل نحو إشراك الشعب في تحمّل المسؤولية ولو في الأمور المحلية، الجليلة الأهمية بالنسبة لحقوقه وكرامته،
مع ذلك فإن الناس قد استقبلوا هذا الأمر بالترحاب لأنهم أخيراً نالوا شيئاً من الاعتراف بوجودهم: أنا أنتخب، إذن أنا مواطن!
بالمقابل فإن الاعتراف بضرورة الإصلاح الاداري وفرض الرقابة على كل وجوه الانفاق وتثبيت قواعد التوظيف والترفيع، يعني الإقرار بوجود »الدولة«… وبديهي أن يسعد الناس باعتراف أصحاب الدولة بالدولة، وأن يعودوا إلى فيئها بعد أن كانت تبدو في حالات أكثر من أن تحصى وكأنها »لاجئة سياسية« إلى فيئهم أو رهينة لديهم.. وخارج دائرة الفيء!
هل هو إنجاز أن يعترف الحكم بدولته وبشعبه؟!
مع ذلك فإن الناس قد ارتاحوا إلى مثل هذا الاعتراف وتمنوا على الله العلي القدير أن يدوم، فلا يُسحب أو يسقط سهواً بعد حين، وتعود الأمور سيرتها الأولى »وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا«،
ولقد تساهل الناس مع الشكل، وغضوا الطرف عن حقيقة أن »اتفاق الرئيسين« قد أكد ما أعلنته »حرب الرئيسين« من إمكان اختزال كل من المؤسسات الديموقراطية بشخص قيدومها، آملين أن يتسع بعد اليوم هامش الحركة والفعل أمام المجلس النيابي (كله) ومجلس الوزراء (كله) لا أن يظل كل مجلس مجتمعاً في شخص رئيسه وحده.
على أن »الإنجاز العظيم« في كل ما جرى أن الاتفاق قد تمّ في بيروت، وفي القصر الجمهوري بالذات، ولم تجرجر الخلافات، على احتدامها، البلاد وأولياء الأمر فيها إلى دمشق يطلبون منها أن تفصل في الجدول الرقم 9 أو في صلاحية ديوان المحاسبة أو في جواز إجراء الانتخابات البلدية بعد ثلاثة عقود أو يزيد!
ولا شك أن نجاح رئيس الجمهورية في لعب دوره الطبيعي كحَكَم قد أسهم، وبشكل أساسي، في تحقيق مثل هذا الانجاز،
فشكراً له، وشكراً لدمشق لأنها لم تتدخل برغم الإلحاح على تدخلها »لتعذر الاتفاق من دونه«.
المهم الآن أن يكون »برنامج النقاط الست« بداية مرحلة جديدة تكشف فيها الأستار عن الأغلاط والارتكابات، وتُرفع فيها الحصانة عن المتسببين في الهدر والفاسدين المفسدين، وتُوقف معها صفقات التلزيمات بالتراضي وغبّ الطلب ويُخضع الانفاق لرقابة صارمة، وتُجبى فيها الضرائب من كل حسب أرباحه فلا يعفى مستثمر الهواء بينما يحمَّل المواطن »طنسة« الذي لا يجد الهواء الكافي للتنفس، كل أعباء إعادة البناء والبنية التحتية وخطة النهوض الاقتصادي،
يقول الرؤساء إنهم محكومون بالاتفاق،
أما الناس فيقولون: أمن الضروري أن يكون اتفاقهم باهظ التكاليف إلى هذا الحد؟
ثم: هل من الضروري أن ندفع »الضريبة« مرة في حال الاتفاق ومراراً في حال الاختلاف؟!
عشتم وعاش لبنان!

Exit mobile version