طلال سلمان

اعتراض عربي معارضة اسرائيلية

صار من الصعب التفريق بين الخطاب السياسي للمعارضة الإسرائيلية لحكومة بنيامين نتنياهو وبين الخطاب السياسي الرسمي العربي.
صارت المعارضة الإسرائيلية الداخلية هي سقف الاعتراض العربي.
ومع أن هذا السقف واطئ جداً فإن المؤتمرات العربية (والإسلامية) تنزل تحته حتى وإن رأَسَها ملك برتبة أمير المؤمنين.
فلقد استقر في يقين الحاكم العربي، أخيراً، أنه لا يستطيع أن يطلب أو يطالب الإدارة الأميركية بما لا تقدر عليه أو لا تريده: أي الضغط على نتنياهو »لإجباره« على اعتماد سياسة أقل عنصرية وأنقص تطرفاً وأكثر التزاماً بالاتفاقات التي سبق لإسرائيل أن فرضتها فرضاً على بعض »شركائها« العرب.
ما لا يقدر عليه »كلينتون الثاني«، المتخفّف نظرياً من الحاجة إلى الصوت اليهودي، والمطمئن إلى »شعبيته« بحيث يصرف اهتمامه إلى موقعه في التاريخ، لن يستطيعه الحاكم أو شبه الحاكم العربي المحتاج بشدة إلى الصوت الأميركي ليبقى في موقعه، وغير المطمئن إلى »شعبيته« بحيث لا يهتم إلا بموقعه ذاك في السلطة التي يراها تختزل التاريخ والجغرافيا أيضاً.
أقصى ما يستطيعه كلينتون، كما تؤكده الممارسة منذ اجتياح نتنياهو السلطة في إسرائيل، هو إسداء النصح إلى هذا »الرجل الخطر« و»المهووس« بحيث لا يؤذي نفسه أو يؤذي إسرائيل، ورعايته وهو يتقدم لتحقيق أهدافه ذاتها ولكن بأسلوب أقل استفزازاً لأعدائه السابقين شركائه المستقبليين، وأقل إحراجاً لأصدقاء إسرائيل المعنيين بسلامتها وأمن مستوطناتها.
كلينتون لا يستطيع، فمن، إذاً، يستطيع؟!
.. ولا يمكن الاستغناء عن كلينتون، كوسيط أو كراعٍ أو كضامن، أو وهذا هو الأهم كرادع أو كابح لجموح نتنياهو واجتياحاته الاستيطانية ونزعته العدائية التي كثيراً ما تنم عن احتقار للخصم لا يستطيع قبوله حتى من ارتضى أن يكون »شرطياً« أو »حارساً إضافياً« لأمنه في مستوطناته.. بما فيها تلك التي تحاصر القدس العربية وتزحف عليها فلا تستبقي منها إلا حيطان المبكى العربي الجديد.
وأقصى ما يستطيع كلينتون هو أن يوفد دنيس روس ليسمع وينصح، ولقد أوفده!
كان يكفي أن يلقي روس ظله على اجتماع لجنة القدس في الرباط حتى تتحوّل القرارات العتيدة إلى توصيات، وحتى يبلع عرفات لسانه وهو يسمع النصح التحذيري من التلويح بالعنف أو »التورط في الإرهاب«..
أما أقصى ما يستطيعه روس في تل أبيب فهو أن ينصح نتنياهو بالاعتماد على الزمن، وبالحفاظ على »شريكه الفلسطيني« النموذجي، وعدم ممارسة المزيد من الضغوط والإحراجات عليه »حتى لا يفرط بين يديه«.
في أي حال فلقد كانت الصورة في تل أبيب معبّرة تماماً. كانوا في الاجتماع خمسة: نتنياهو، ليفي، مردخاي، مارتن أنديك ودنيس روس.. أي ليس بينهم مَن يحتفل بيوم »الجمعة العظيمة« أو يعترف »بمرتبة دفن السيد المسيح«!
… وكان المشهد في الخارج أيضاً، سواء في القدس أو في سائر فلسطين وصولاً إلى اللجنة الملكية في الرياض »حزيناً« بل »محزناً«، حيث بدا وكأن الجميع التزموا بطلب نتنياهو الذي لخصه بقوله: »سننتظر لنرى إن كان هناك تغيّر في مكافحة السلطة الفلسطينية للإرهاب.. فتعهدات عرفات الشفهية غير كافية«.
صار الشارع إرهابياً، ولا بد من سحبه من التداول، لكي يمكن لدنيس روس أن يعود، وإلا تحوّل من وسيط إلى »مدّعٍ عام« يطالب بإنزال أشد العقوبات بهؤلاء العصاة الذين خرجوا على الإرادة الأميركية، وليس فقط الإسرائيلية!
أما الحكّام فممنوع عليهم الاجتماع في قمة، حتى لا تلحقهم تهمة الإرهاب، وممنوع على وزرائهم إطلاق التصريحات النارية، أو »المتطرفة« والتي لا تقل خطورة عن ممارسة الإرهاب مباشرة..
لا قرارات على مستوى الحكّام، ولا انتفاضة على مستوى الشارع، فالانتفاضة أيضاً قرارها أميركي.
في المقابل، حركة المعارضة الإسرائيلية (الديموقراطية) مضبوطة هي الأخرى داخل القرار الأميركي، المصوغ بما لا يستفز بنيامين نتنياهو ولا يحرجه أيضاً..
وهكذا يبدو للحظة وكأن شيمون بيريز هو أحد زعماء »الاعتراض العربي«، ويبدو مطلبه في قيام »حكومة وحدة وطنية« داخل إسرائيل، وكأنه ذروة الطموح الرسمي العربي.. أما بالنسبة لقيادة عرفات فلعله يتجاوز حدود الأماني إلى الأحلام!
في ظل هذا الانضباط العربي الصارم داخل حدود »القرار الأميركي« بالتهدئة والامتناع عن أي عمل قد يشجع »الإرهاب«، أو قد يعكّر مزاج نتنياهو، يستمر العمل في إقامة المستوطنات، وتستكمل الدبابات الإسرائيلية حصارها للمدن الفلسطينية »المحررة« والتي تعتقلها شرطة عرفات من داخلها وتلجم حركتها كلية.
وبعد أيام، أو أسابيع، سيتقدم نتنياهو خطوة أخرى على طريق تحقيق برنامجه، فيعجز الحكّام العرب عن إصدار بيانات الإدانة أو الاستنكار حتى لا تصيبهم لعنة الإرهاب، فيمتنع دنيس روس نفسه عن المجيء لسماعهم والتكرّم عليهم بالنصيحة.
تتحرّك الجرافات الإسرائيلية فتزيل بعض معالم فلسطين والتاريخ العربي والإسلامي، فإذا ما حاول أحد الاعتراض نزل عليه »الفيتو الأميركي« كالصاعقة.
فالاعتراض على نتنياهو قد يكون مسموحاً به، وإن ضمن حدود.
أما المسّ بسمعة إسرائيل ومكانتها الدولية فمن المحرّمات.
لا الجرافة إرهاب، ولا الفيتو إرهاب.
فقط الحزن في يوم الحزن هو الإرهاب.

Exit mobile version