طلال سلمان

اعادة اعتبار متاخرة تحرر

ليست الدنيا 2001 هي الدنيا 1966، ولقد اختلف الزمان ودار الفلك والناس دورات عديدة و»انقلابية« بين يوم إسقاط أحمد سوكارنو، عبر مذبحة هائلة ذهب ضحيتها حوالى مليون مواطن أندونيسي، على يد العسكر في انقلاب واضح التبعية الأميركية، وبذريعة أنهم »شيوعيون«، وبين تنصيب ابنته ميغاواتي سوكارنو بوتري، أمس، رئيسة لهذا الأرخبيل المتناثرة جزره على امتداد أكثر من ستة آلاف كيلومتر في جنوب شرقي آسيا، على هضبة »سوند« البركانية بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي.
ليست الدنيا هي الدنيا، وكل ما كان قد تغير أو انقلب أو سقط بالتقادم، وحل النقيض محل النقيض، وليس وصول ميغاواتي الإبنة هو بالضرورة ثأر متأخر لوالدها بطل استقلال أندونيسيا وباني وحدتها، والذي استطاع أن يتجاوز حدود بلاده في التأثير فاستضاف في »باندونغ« أول مؤتمر للمجموعة التي ستنشأ بعد ذلك تحت عنوان »دول عدم الانحياز« والتي ستلعب دورا بارزا في السياسة العالمية دعما لحق الشعوب المستضعفة، والتي كانت تحت الاستعمار الغربي، في الحرية والاستقلال.
وعلى امتداد عشر سنوات، على الأقل، كان العرب ينظرون إلى أحمد سوكارنو وكأنه واحد من »أبطالهم«، فهو الصديق الحميم لقائد حركتهم الثورية آنذاك جمال عبد الناصر، وهو النموذج المشرق لحاكم دولة إسلامية كبرى قادها بعيدا عن الولاء للغرب الذي كان يقدم نفسه كحليف مزور للإسلام السياسي، ويناصب العداء تحت راية الغرب الاستعماري نفسه لحركات التحرر والتقدم والمطالبة بالخبز مع الكرامة باعتبارها انحيازا إلى الكفرة والملحدين من الشيوعيين الملاعين أعداء الدين!
كثيرون سيرون في هذا »الانتصار« لابنة سوكارنو انتقاما متأخرا من دكتاتور أندونيسيا السابق سوهارتو، الذي استولى على السلطة واحتكرها لمدة 32 سنة بانقطاع، هو الذي جاء بدعوى إسقاط الطاغية سوكارنو واحتكاره السلطة لمدة 21 سنة، أي منذ الاستقلال.
لا أندونيسيا اليوم، المهددة دائما بحرب أهلية، هي أندونيسيا الاستقلال والحرية وعدم الانحياز، ولا عالم اليوم يسمح بعدم الانحياز، بل يكاد يكون الانحياز شرط حياة.
مع ذلك فإن انتصار ميغاواتي يشكل إعادة اعتبار متأخرة لواحد من أبطال حركة التحرر، برغم أن مسلكه الشخصي لم يكن في مستوى مكانته، إلا أن »الخلع« لم يتم لأسباب تتصل بمسلكه بل بسياسته التي باتت محرَّمة في عالم القطب الواحد!

Exit mobile version