طلال سلمان

اشارات اميركية اولى عربيا

لا مفاجآت: فالإشارات الأولى إلى العرب وقضاياهم وموقعها في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة وردت حيث كان يتوقع أن ترد، أي عبر الحديث عن »أمن إسرائيل« بوصفها »رأس المصالح الأميركية« في هذه المنطقة.
وحسب وزير الخارجية الجديد للإدارة الجديدة، كولن باول، فالإشارات الأولى تتصل بالحرب أكثر من اتصالها بالسلام: أمن إسرائيل، بمعنى ضمان تفوقها الدائم على مجموع العرب، العراق وغزو الكويت بمعنى تسليم العرب قرارهم، حتى في شأن أمنهم الجماعي، إلى مركز القرار الأميركي، ثم بيروت خلال حقبة الاجتياح الإسرائيلي وما أصاب الجنود الأميركيين فيها، وبالتالي ضرورة التنبه إلى احتمالات الاعتراض ودمغها بالإرهاب وبالاتكاء مرة أخرى على موقف السلاطين العرب منها.
بين المواضيع الثلاثة صلة جدية في أي حال: فالاجتياح الإسرائيلي للبنان أعطى الصياغة الأولى للدور الأميركي »كراع للسلام«… الأمن الإسرائيلي يتم تعزيزه بالغطاء السياسي الأميركي فتكتمل دائرة الحصار على القرار العربي.
وهكذا جاء مؤتمر مدريد كجائزة ترضية أميركية للعرب عن دورهم في حرب الخليج الثانية، وعبره قارب الأميركيون الموضوع الفلسطيني من خلال الفهم الأميركي لأمن إسرائيل في المدى البعيد، خصوصا وأنه قد جاء في توقيته بينما »الانتفاضة« الأولى تخلخل ما كان قد استقر كثوابت في مرحلة ما بعد اجتياح لبنان وإخراج المقاومة الفلسطينية منه، وما بعد إخراج صدام حسين من الكويت وما أصاب العراق نتيجة له، و»انضباط« إسرائيل وامتناعها عن المشاغبة على خطة الاحتواء الأميركي »للمتطرفين« العرب في مشرقهم والمغرب.
لم تكن هذه الثوابت في السياسة الأميركية لتتغير لو أن الفائز في الانتخابات كان آل غور، الأكثر جنوحا وانحيازا إلى إسرائيل، حتى من دون نائبه »اليهودي الأرثوذكسي« ليبرمان، فطالما أن العرب لا يتغيرون ولا يملكون القدرة على الإمساك بمصيرهم بأيديهم فلماذا سيهتم بهم أصحاب القرار ويحسبون لهم ولسياساتهم أي حساب؟!
فالعرب الحائرون، الضائعون، المثقلون بعجزهم، لم يكونوا بين جمهور الدرجة الأولى من »المتفرجين« على المعركة الانتخابية الأميركية. وعلى امتداد دهر الصراعات والمناكفات والمواجهات والمشاحنات والطروحات والطروحات المضادة التي تداولها المتنافسان على الرئاسة الأميركية فإن العرب لم يكن لهم أي ذكر ولم تحظ قضاياهم باهتمام ولو بالحد الأدنى… ولو من موقع التخوف من أن يجنحوا إلى التطرف فالإرهاب!
وحدها الانتفاضة (الثانية) فرضت نفسها، وليس من زاوية التعاطف مع ضحاياها أي الشعب الفلسطيني العزل في مواجهة جنون القتل الإسرائيلي، بل من زاوية علاقتها بالأمن الإسرائيلي، وليس بوصفها طليعة لعمل عربي أو لتلاق عربي (وإسلامي بالاستطراد) قد يؤثر ولا نقول يهدد على مستقبل إسرائيل بوصفها رأس المصالح الأميركية في المنطقة.
لم يعد السلاطين العرب يخيفون. صاروا أسرى خوفهم المثلث: من شعوبهم، ثم من إسرائيل، وقبل هذا وذاك من الأميركيين.
لم يعودوا يملكون القدرة على التأثير، ناهيك بالفرض. ولم يعودوا يجرأون على الطلب، وحتى على »النصح«. باتوا يؤمرون فينفذون فقط، وأحيانا يبادرون قبل الأمر ومن دون الحاجة إليه، فيلبون ما يفترض أنه سيطلب منهم.
ما الفرق إذن، بين أن يكون آمرهم الجديد جورج بوش أو آل غور؟!
ثم.. ما الفرق بين أن يكون المتحكّم في حياتهم إسرائيليا إيهود باراك أو بنيامين نتنياهو؟!
إنهم خارج دائرة التأثير.
حتى الانتفاضة يتركونها لمصيرها، أي لمساومة السلطة والقاتل الإسرائيلي على دماء القتيل.
ومن قبل كانوا ضيّعوا النصر المجيد الذي حققه الدم اللبناني في معركة التحرير:
إنهم يخافون من المحاسبة على أمس العصيان والتمرد والقول بالثورة.
لذا فهم أعجز من أن يستثمروا ليس الانتخابات الاميركية، بل حتى الصراع الإسرائيلي الداخلي برغم أنهم يشكلون محوره الأخطر.
والبداية في العواصم العربية، لا في واشنطن ولا في تل أبيب.
وأمام العرب فرصة ممتازة لو أنهم يعون »حجمهم« كمصالح أميركية يشكل الأمن الإسرائيلي محورها ورأس حربتها.

Exit mobile version