طلال سلمان

اسلام سياسي قاتل ومقتتل ومقتون

من دار السلام في تانزانيا ونيروبي في كينيا، في قلب أفريقيا، إلى أفغانستان في قلب آسيا، مروراً بمصر والجزائر والسودان وفلسطين وأقطار أخرى، ترسم الأخبار اليومية لحركة التنظيمات السياسية التي تنسب نفسها إلى الإسلام وتقول بالتغيير باسمه، صورة قاتمة للإسلام والمسلمين في الحاضر وأشد قتامة وبؤساً في المستقبل.
فالإسلام السياسي يتبدى، غالباً، قاتلاً أو مقتولاً أو مقتتلاً،
نادراً جداً ما تجلى الإسلام السياسي في صورة المقاتل من أجل مشروع تغيير جذري للواقع الفاسد والظالم والمتخلف الذي يعيشه المسلمون، إذا ما صح التعامل معهم كوحدة بشرية سياسية اجتماعية متجانسة أو متكاملة.
وحدها المقاومة الإسلامية في لبنان تشكل الاستثناء، ولأسباب موضوعية وذاتية يطول شرحها، وتحتاج إلى حديث آخر،
ولعل عمليتي التفجير اللتين استهدفتا السفارتين الأميركيتين في كل من كينيا وتانزانيا تصلحان نموذجاً فذاً للخطأ المطلق الذي يحول »المجاهد« الى »قاتل« بقدر ما يحول »الجلاد« المفترض الى »ضحية« تحظى بالتعاطف والإشفاق،
فعلى جثث المنسوفين في العاصمتين الأفريقيتين بيد من ينسب نفسه الى حركة سياسية مجهولة تتلطى تحت راية »الإسلام«، استعادت الادارة الأميركية التي تمارس دور »الشيطان الأكبر« في العالم، وبشخص رئيسها المتهم في أمانته للقسم الدستوري كما لزوجته وأسرته، الكثير من الاعتبار المفقود وتحولت من رمز للامبريالية والاستعمار الجديد والهيمنة على مقدرات شعوب العالم، الى رسل حضارة وتمدين وصداقة بين الشعوب،
هل من يجادل ان صورة الاسلام، كدين، وليس التنظيم الذي ينسب نفسه الى الإسلام، قد لحقها الآن مزيد من التشوه، وان الأكثرية الساحقة من المسلمين هم في عداد ضحايا العمليات الارهابية التي نظمها بعض المهووسين الذين يضربون في ابعد مكان عن الهدف الاصلي؟!
ان هؤلاء المهووسين والجهلة والمغرورين والتافهين يقودهم النقص في الوعي او في النضج السياسي، الى نحر الاسلام (والمسلمين)، والى تقديم هدية ثمينة »للعدو« ما كان ليملك ان يحرزها مهما دفع وسعى وتجسس وتآمر معرضاً نفسه وادواته واهدافه الخبيثة للافتضاح وظهور حقيقته الامبريالية عارية امام العالم اجمع؟!
الاسلام هو القاتل، الان، واسرائيل في ثوب المنقذ، والمظلومون والمضطهدون والمعذبون في اربع رياح الارض يبادرون الى الاستنكار وتعزية الرئيس الاميركي، والاعتذار عن خطأ »السفهاء منا«؟!
الاسلام هو القاتل، الآن، والانظمة التي تدعي انها تحكم بالاسلام وجدت من تعلق عليه جرائمها، ومن تبرر به اضطهادها لرعاياها من »العصاة« و»الارهابيين« الذين لا يستحقون لا نعمة الديموقراطية ولا »منحة« حقوق الانسان، ومن تتذرع بقدرتها على قمعه (بل وبحقها في قمعه) لكي تبقى وتدوم بوصفها من حماة العالم الحر وقيمه الجديدة!
في الجزائر يجلببون الاسلام بثوب القتلة، يذبحون الاطفال، يبقرون بطون النساء، يقطعون رؤوس الشيوخ والعجزة، يغتالون الاقلام والابداع والموسيقى،
وفي مصر يقتلون المفكرين المستنيرين والمنورين والسياح (عدا من يفترض انهم يمثلون العدو القومي… او عدو الاسلام)!!
وفي السودان يجعلون الاسلام وقوداً لحرب اهلية قد تدمر وحدة الشعب والارض وتذهب بالدين كله، وفي فلسطين يكاد معظمهم يتوهون عن الميدان الاصلي، وتكاد تشغلهم السلطة حيناً ومساومة العدو حيناً آخر، عن المواجهة الفعلية التي تبدأ بالذات، او تأخذهم الرغبة في تقليد عدوهم، في ظروف مختلفة تماما وبأدوات وأساليب وتبريرات متخلفة تماماً، الى تزكية التطرف عند عدوهم وتبريره عالمياً باظهاره وكأنه مجرد رد فعل على فعل لم يفعلوه حقاً، وانما شقشقوا به حناجرهم فوق المنابر ليس الا!
اما في افغانستان فيبدو المسلمون وكأنهم في حرب ستمتد حتى تقضي على اخر مسلم في آسيا، وستقضي على آخر تعاليم الدين الحنيف وقرآنه الكريم، وعلى سمعة المسلمين وكرامتهم في العالم كله!
انهم يكادون يحولون الاسلام بفضل اخطائهم وخطيئاتهم المميتة، الى عدو للانسان والانسانية والى ارث ثقيل يكاد المسلمون ان يخرجوا عليه ومنه طلباً لحياتهم..
هل من الضروري التذكير ان الاكثرية الساحقة من القتلى والجرحى والمفقودين في عمليتي التفجير بافريقيا هم من الافارقة البؤساء، وبينهم مسلمون ووثنيون ومسيحيون من الاعداء المفترضين للامبريالية؟!
من كان له مثل هؤلاء »الحماة« ليس بحاجة الى اعداء!
الآن، وبفضل انماط هؤلاء المتمسلمين، وادعياء الثورة لتغيير العالم باسم الاسلام، تمت او تكاد تتم تبرئة جميع اعداء الاسلام والمسلمين (كشعوب) في الخارج والداخل: الولايات المتحدة الاميركية كقوة امبريالية (وليس كرجال ونساء وموظفين عاديين او استثنائيين في سفاراتها في العالم)، اسرائيل كلها وأساساً حكم التطرف فيها، التعصب الديني حيثما كان، في اوروبا او في الهند مثلا، ثم وهذا هو الاخطر: انظمة القمع التي تفتك بالمسلمين (عرباً وغير عرب) في مشارق الأرض ومغاربها!
هل يمكننا الطلب الى هؤلاء الذين قتلوا كلمات مشرفة مثل »الجهاد« و»المجاهدين« ان يتكرموا علينا بوقف نحرهم اليومي لوجدان المسلمين الحائرين الآن بين »ايمانهم« بدينهم وبين مستغليه لاغراضهم السياسية المبهمة (والمشبوهة احيانا) والذين يجعلونه اشبه باللعنة تطاردهم حيثما حلوا؟!
كان الاسلام سلاحاً محتملاً للمظلومين فصار او يكاد يصير سلاحاً ضدهم،
وكان الاسلام رصيدا معنويا، يحرض على الثورة ضد القهر والقاهرين، ضد المستعمر والمهيمن والمحتكر، ضد الاحتلال الاجنبي والاستغلال الداخلي، ضد القمع بأشكاله كافة، وها هم يحولونه الى اداة للارهاب (الداخلي والخارجي)،
واذا كان من نعم الله علينا في لبنان ان الايمان المعزز بمقاومة الاحتلال، بكل ما تفرضه على المجاهدين من المسلك طيب وحسن السيرة قد رفع المجاهدين الى مصاف القدوة الحسنة، في عيون الناس، وزكى الشعار الديني متى وضع في خدمة الانسان وأهدافه الحقة، فإن هذا النموذج »خروج على القاعدة« الجاري تعميمها عالميا عبر الممارسات الرديئة للعديد من المنظمات التي ترفع الاسلام راية…
بل ان لدينا في لبنان ذاته نماذج غير مشجعة للاسلام السياسي حين يتحول الى قلعة للرجعية والتخلف ومجافاة العصر والعداء لحقوق الانسان.
من يوقف هذه الحرب على الاسلام والمسلمين التي يرتكبها بعض من نصبوا انفسهم ورثة للانبياء واقاموا انفسهم اوصياء على الدين الحنيف واتباعه المؤمنين؟!
ذلك هو السؤال الذي سيظل مكتوباً بدم اسلامي قان ومعلقا في فضاء الدنيا الاسلامية حتى يقضي الله امراً كان مفعولاً.
وتلك هي المحنة الكبرى للاسلام والمسلمين!.

Exit mobile version