طلال سلمان

اسرائيل كسبت الحرب سلفا!

حتى من قبل ان تطلق الطائرات أو البوارج الاميركية صاروخاً واحداً من أسلحة تدميرها الشامل ضد العراق، الهدف النموذجي القابل الاستخدام لجني المكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية، تبدو إسرائيل كأنها قد كسبت فعلاً هذه »الحرب« التي لم تشارك فيها وان كانت الآن تجني غنائمها الثمينة.
الى ما قبل شهور كان التطرف الاسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو يعيش مهدداً بخطر »السلام الاميركي«، تحاصره الاعتراضات والمطالبات والى حد ما الضغوط للعودة الى طاولة المفاوضات مع الاطراف العربية المعنية (سوريا ولبنان والفلسطينيين)، والتسليم بالحد الادنى من حقوق اعدائه الضعفاء في أرضهم،
… وها هو الآن يحصد ثمار حالة الحرب التي فرضتها واشنطن على العرب جميعهم، انطلاقاً من الذريعة الدائمة: صدام حسين.
يكفي، فقط، ان نستذكر ما كانت عليه حال اسرائيل في مؤتمر الدوحة، ثم في القمة الاسلامية بطهران، برغم الضغوط الاميركية المؤثرة لفك طوق العزلة عنها، وبرغم المبادرة الى نجدتها بالغطاء الجدي الذي منحته للتحالف الاسرائيلي التركي، خصوصاً وقد أشركت فيه طرفاً عربياً هو الاردن، ولو رمزياً.
أما اليوم فتتبدى اسرائيل في عيون العالم في صورة مغايرة تماماً لحقيقتها، خصوصاً بعدما اسبغ عليها المفتش الاسترالي العامل لحساب الاميركيين ريتشارد باتلر توصيف الضحية المهددة عاصمتها بالدمار الذي ستحمله اليها صواريخ العراق الذي لا يجد شعبه لقمة الخبز.
لقد نجحت واشنطن، عبر حالة الحرب التي فرضتها على العالم عبر استغلالها ذريعتها الاثيرة، صدام حسين، في اعادة بعثرة الصف العربي، من خلال اعادة طرح موضوع خلافي لم تتم تسوية اشكالاته ونتائجه الخطيرة بعد وهي التي نجمت عن غزو الكويت.
صحيح ان واشنطن تفتقد الآن الغطاء العربي لحربها الجديدة ضد العراق، وهي لن تجد عربياً واحداً يشارك في حملتها الجديدة او يوافق عليها، لكنها وفرت فرصة ذهبية لاسرائيل كي تتحلل من جميع التزاماتها »السابقة«، ليس فقط مع سوريا (واستطراداً مع لبنان) بل حتى مع الفلسطينيين المنهكين بفعل تنازلات قيادتهم المتوالية والتي تكاد تذهب بأساس قضيتهم وبشرعية حقهم الوطني الثابت في أرضهم، وليس فقط بحلم الدولة التي عاصمتها القدس.
وها هي إسرائيل نتنياهو تنتقل من الدفاع الى الهجوم مع الفلسطينيين بداية، ثم مع اللبنانيين وعبر انتزاعها سلاحهم الفعال (القرار 425) من أيديهم والارتداد به عليهم، وعبر هؤلاء وأولئك على السوريين الذين كانوا قد تلقوا صدمة عنيفة حين تنصلت واشنطن أو كادت من مسؤوليتها كضامن وحتى كشاهد على ما كانت توصلت اليه المفاوضات فيها وبرعايتها.
إنها تهاجم بمزيد من المستوطنات داخل فلسطين (الضفة) وداخل القدس العربية بالذات،
وهي تهاجم في لبنان وبالسلاح الفعال الذي كان مدخرا لمواجهتها: القرار 425،
وهي تهاجم سوريا عبر تحالفها مع تركيا ومع الأردن، وعبر مطالبتها بالمشاركة في الحرب الأميركية الجديدة ضد العراق.
وهي تلبس الأقنعة الواقية من الغاز لكي تبرر الجسر الجوي الذي أقامته واشنطن لتنقل إليها ما يفيض عن حاجتها من الصواريخ المضادة للصواريخ ومن الأسلحة المتطورة الأخرى، إضافة الى ما ستقرره لها من حصة في المغانم التي ستجنى من هذه الحرب النزهة، إن وقعت، والتي ستدر أكثر إن هي لم تقع.
لقد فكّ نتنياهو طوق العزلة عنه،
ولقد تهاوت صورته المكروهة أوروبياً،
وثبت انتصاره السياسي في قلب البيت الأبيض الأميركي، فانتزع لنفسه حقوق »الشريك« في أي قرار يتصل »بالشرق الأوسط«،
وانتزع أخيرا حق المشاركة مع الأميركيين في الحرب التي يشنونها الآن ضد العرب مجتمعين عبر العراق،
أما العملية السلمية فقد داستها سنابك الخيول الإلكترونية المحتشدة لتدمير المكسب اليتيم الذي جناه العرب من مشاركتهم في »عاصفة الصحراء« وهو مؤتمر مدريد.
ان سياسة أميركية جديدة تواجه العرب وستعتمد معهم، أو ضدهم بعد اليوم.
ولن يكون مفاجئا أن يكون نتنياهو غداً شريكا إن لم نقل عنوانا لهذه السياسة الحربية الجديدة.

Exit mobile version