طلال سلمان

اسرائيل تقتحم حوار وطني

سيكون الجو مختلفاً جداً عندما يتلاقى أقطاب الحوار، مجدداً، اليوم، من حول طاولتهم المستديرة، عنه في الجلسات السابقة، جميعاً، ولن يستطيع أحد أن يستأنف كلامه من حيث توقف قبل ثلاثة أسابيع: سيكتشف الجميع أن إسرائيل قد اقتحمت عليهم المقر، لتذكّر من نسي أو تناسى بأنها طرف ، وطرف أساسي، وبالتالي فهي معنية بما يتداولون فيه تحت عنوان خطة الدفاع الاستراتيجي حتى لو حاولوا استبعادها أو تجاهل تأثيرها الحاسم على مصير هذه المنطقة، بأقطارها كافة.
ولسوف تطرح إسرائيل على الطاولة البيضاء صور الدمار والخرائب والمنشآت التي أحرقتها، أمس، في غزة، لتذكّرهم بأنها قاتلة النور بشهادة محطات الكهرباء والتحويل في لبنان التي بالكاد تمّ إصلاحها، للمرة الثالثة أو الرابعة، فضلاً عن كونها قاتلة الأطفال والأجنة بشهادة هدى غالية التي ما يزال عويلها يملأ علينا الوجدان.
ولعل إسرائيل قد تزوّد المؤتمرين، أيضاً، بصور طائراتها الحربية وهي تحلق فتخرق جدار الصوت فوق القصر الجمهوري السوري في اللاذقية، مع معرفتها بأن الرئيس السوري بشار الأسد موجود فيه، مشيرة إلى أنها خرقت في طريقها الأجواء اللبنانية، كما تفعل كل يوم، وعلى مدار الساعة.
وإذا كانت الذريعة الإسرائيلية في هذا التهديد المكشوف أن سوريا تؤوي قيادات بعض فصائل المقاومة الفلسطينية، فإن الدلالة الفعلية لهذا الهجوم أن إسرائيل تريد أن تؤكد لمن نسي أو تناسى أنها ما تزال العدو ، أقله للفلسطينيين جميعاً، ولمن ما يزال يتعامل معهم أو يرعاهم بحق الأخوة ويوفر لهم المأوى وأسباب الحياة، باعتبارهم أصحاب قضية وليسوا مجرد لاجئين تجوز عليهم الشفقة والصدقة..
إن إسرائيل تقولها بكل وسائل الإيضاح إنها لا تعترف بفلسطين، فالأرض لها، أما الفلسطينيون فإلى جهنم وبئس المصير..
وإسرائيل تذكّر بحربها المفتوحة على الفلسطينيين، في غزة اليوم وفي الضفة بالأمس، وفي كل ما أبقت لهم من أرض، مؤقتاً وريثما تفرغ من ابتلاع ما صادرت، بالمستعمرات وجدار الفصل العنصري، بأنها لن تسمح بقيام كيان فلسطيني، مهما كان هشاً، وشكلياً وبلا مقوّمات تمكّنه من الحياة، ولن تقبل بسلطة فلسطينية مهما كانت ضعيفة ومتهافتة، لأنها تريد كامل الأرض الفلسطينية بلا أهلها، فإن كان لا بد من القبول ببعضهم ولو إلى أمد معلوم فسيكون عليهم أن يعيشوا تحت التهديد اليومي المفتوح: حصار التجويع والقتل اليومي سياسة دائمة وثابتة ، وليست مجرد قرار عسكري اتخذ في لحظة غضب بسبب سقوط جندي (من أصل فرنسي) في الأسر!
ويفترض بالمؤتمرين أن يستذكروا أن الحرب الإسرائيلية المفتوحة على الفلسطينيين لم تتوقف يوماً، لا قبل اتفاق أوسلو ولا بعده… وأن إسرائيل لم تتعامل في أي يوم مع السلطة الفلسطينية كشريك، لا في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات (الذي قتلته في محبسه) ولا في ظل السيد الرئيس محمود عباس، قبل حكومة حماس ثم مع المفاجأة بانتخابها، الذي أصاب بالذهول معظم العرب والعالم، إضافة إلى إسرائيل بطبيعة الحال.
يفترض بهم أيضاً أن ينتبهوا إلى أنها قد سعت جاهدة بالمخابرات والدسائس، الى محاولة تحريض البعض ضد البعض الآخر، بمحاولة إغواء رئاسة السلطة بمساعدتها إن هي ضربت حماس، وأسقطت حكومتها ولو بالسلاح وفي الشارع، وعبر تخريب المؤسسات التي كلفت شعب فلسطين بعض عمره… وها هي الآن تكمل محاولتها بالحرب الفعلية: غارات جوية وقصف مدفعي وصاروخي واقتحامات لتشديد الحصار على الهواء، بعد حصار التجويع والترويع والتدمير المنهجي.
إن إسرائيل تعلنها صريحة لمن يريد أن يفهم: لن تُبقي من أرض فلسطين ما يمكن أن يكفي لأهلها الموجودين فيها، بل هي ستصادر هذه الأرض وستطرد منها أصحابها وستطاردهم حتى ترمي بهم في الخارج.. ولسوف يكون عذرها المقبول دولياً أنها تريد استعادة اليهود جميعاً إلى أرض الميعاد، وهي الأسطورة التي سلم بها العالم كأنها حق شرعي، مسقطاً من حسابه أن هذه الأرض ملك لشعب آخر عاش ويعيش فوقها منذ آلاف السنين.
إن الحرب التي باشرتها إسرائيل في غزة مقررة من قبل عملية تبديد الوهم ، بل إن تنفيذها جار بالفعل، وبأسلوب منهجي منذ زمن بعيد، وحتى من قبل فوز حماس في الانتخابات… وهي ستتواصل حتى يستعيد الشعب الفلسطيني وحدته الوطنية عبر سلطة مجددة تعرف أن المشروع الوحيد المعروض عليها هو أن تلغي بنفسها حقها في وطنها وحق شعبها في الحياة فوق أرضه.
والرسالة واضحة إلى المتلاقين في مؤتمر الحوار الذي بات سابقة يلجأ إليه التائهون عن حقيقة أوضاعهم، ويبدو أن الفلسطينيين قد أفادوا من الدرس فتلاقوا وتكاتفوا لمواجهة الخطر الداهم: الإبادة والتهجير.
والأمل أن يستفيد المتحاورون العائدون إلى التلاقي اليوم من التجربة الفلسطينية المريرة لينتبهوا إلى إسرائيل كمصدر للخطر المصيري على الكيان اللبناني، أيضاً، أمس واليوم وغداً، كما هي مصدر خطر مصيري أيضاً على سوريا، وعلى كل من يلغي نفسه ليقبل بما تقرّره له… والشاهد الفلسطيني حاضر وناطق!
فقاتل النور يتباهى بجريمته، بينما العالم، بمن فيه أعضاء مجلس الأمن الذين أتعبونا بتضامنهم مع لبنان، يصفق له ويتوجه بالإدانة إلى الضحية.
ونفترض أن الحرب الإسرائيلية ستبدد أوهام بعض الجالسين إلى طاولة الحوار، فتجعلهم يعيدون التفكير بمصدر الخطر، وبالأسلحة المتاحة لصده وهي الوحدة الوطنية في ظل الانتماء الأكيد إلى الهوية الجامعة، والاستعداد لحمايتها من العدو الذي لا يتركنا ننسى عداءه المكين والمستمر أبداً.

Exit mobile version