طلال سلمان

اسرائيل اميركا الشرق الأوسط؟

ما أوسع سراويل بيل كلينتون!
في البداية خرجت منها الفضائح الجنسية متوالية تمسك الواحدة »منهن« بيد الأخرى، وما زال »السحَّاب« قابلاً للتحرك صعودا ونزولا ومشاريع »الأفلام« تتزايد بين »الأف. بي. آي« و»المحقق الخاص« الذي أخذ لنفسه صلاحيات البابا، وصولاً الى هوليوود ونجومها والمنتجين القادرين على تحويل مباذل الكبراء الى ذهب خالص،
الآن جاء دور الفضائح السياسية متخذة لنفسها من العراق عنوانا »شعبيا«!!
من مونيكا إلى صدام حسين،
و»المحقق الخاص« الذي أعطى نفسه، هنا، صلاحيات مجلس الأمن والمجتمع الدولي كله هو ريتشارد باتلر، فقرر أن »بغداد قادرة على القضاء على كل سكان تل أبيب بواسطة صواريخ مجهزة برؤوس غير تقليدية«!!
مونيكا في واشنطن، باتلر في نيويورك، الأتراكس والبتولين وسائر المواد السامة في بغداد، وبنيامين نتنياهو في تل أبيب… فأين هوليوود؟!
الذريعة صدام حسين، دائماً،
والتهديد يجيء من واشنطن، وتؤكده وتنضم إليه على الفور لندن دائماً،
أما الرد فلعله يجيء هذه المرة، وبعد كل هذه التهديدات من إسرائيل التي ما زالت تتحسّر على أنها »مُنعت« من »حرب الخليج الثانية« وحُرمت من مكافآتها السخية، وتتشوق إلى »حرب خليج ثالثة« تحصد هي ثمارها الشهية.
ليس أنسب للمشروع الأمبراطوري الإسرائيلي من أميركا قوية برئيس ضعيف،
والولايات المتحدة الأميركية مؤهلة لأن تبقى أقوى قوة سياسية وعسكرية واقتصادية على وجه الأرض، مهما تعاظمت فضائح رئيسها فشوهت سمعته وأنهكته وعطلت قدرته الشخصية على اتخاذ القرار.
أما في دول العالم الثالث عموماً، والعراق على وجه الخصوص، فإن شخص الرئيس يحجب »الدولة« وقد »يختزلها« فيلغيها خصوصا حين يتخذ وجوده أو استمراره على رأس السلطة ذريعة لتدمير بلاده وتجويع شعبها ومحاصرته بين خيار من اثنين: القتل بسلاح العدو الخارجي، أو الموت البطيء في ظل »العدو الداخلي«!
بهذا المعنى فإن من مصلحة حكم التطرف في إسرائيل أن يبقى بيل كلينتون في سدة السلطة في واشنطن، ضعيفا، متهما في شرفه، مستهدفا في كل لحظة بفضيحة جديدة، عاجزا عن المبادرة لا سيما في المسائل الحساسة والمعقدة والتي تحتاج الى قرارات حازمة مثل »العملية السلمية«،
إسرائيل تريد الأكثر دائما،
وأكثر من رئيس صديق ومتعاون هو الرئيس الضعيف والمتهافت الذي يمكن لقوى الضغط أن تفرض عليه القرارات، فلا يملك أن يرد لها طلبا،
لقد تكشف ريتشارد باتلر عن عميل إسرائيلي أكثر منه رأس حربة لمشروع تحويل الحماية المؤقتة للمصالح الأميركية في الجزيرة العربية وخليجها الى احتلال دائم،
وليس خارج المنطق أن يربط أي متابع بين انفجار الفضيحة الجنسية في وجه بيل كلينتون وبين تفجير باتلر فضيحته الجرثومية في وجه العالم كله، موفراً لإسرائيل الذريعة المباشرة لشن حربها الخاصة ضد العراق، والدخول كشريك كامل للولايات المتحدة في ثروات الجزيرة والخليج،
لماذا لم يخطر ببال هذا الاستراتيجي الخارق ريتشارد باتلر إلا تل أبيب كهدف محتمل لصواريخ صدام حسين الجرثومية؟!
خلال »عاصفة الصحراء« أطلق صدام صواريخه المجيدة في أكثر من اتجاه، وركز بعضها على مدن عربية، وأحدث فيها من الدمار مثل ما أصاب في تل أبيب وأكثر، فلماذا حصر باتلر أهداف صدام حسين الجديدة في عاصمة الدولة العبرية؟!
وبرغم أن معظم دول العالم تقول بلسان وزير خارجية فرنسا »ان ليس ذلك تماما ما يمكن استنتاجه من تقارير لجان التفتيش الدولية في العراق«، إلا أن إسرائيل بادرت الى ارتداء أقنعة الغاز متخذة صورة الضحية، بينما هي أقوى دولة عسكريا ليس في المنطقة العربية فحسب، بل ربما في ثلاثة أرباع الكرة الأرضية..
»للعدو« صورة العربي دائما!
كأنما »العربي« وحده، من دون خلق الله، مؤهل لاستنفار الأحقاد والعداوات التاريخية جميعا… ربما لأنه »صيد سهل«، وربما لأن الحكم عليه من خلال حاكمه يحرمه من تعاطف الناس في أربع رياح الأرض،
فبينما يموت أطفال العراق جوعاً، ويبيع الرجال عيونهم وكلاهم، فإن الراغبين في نهب المزيد من ثروات العرب يتجاهلون العشرين مليون عراقي ويختزلونهم في صدام حسين،
أي أن أعداء العراق يفعلون بالضبط ما يفعله صدام من اختزال العراق بشخصه.
أميركا قوية برئيس ضعيف تناسب تماما إسرائيل القوية برئيس قوي لكي تحقق مرحلة جديدة (ونوعية) من مشروعها الأمبراطوري، فتلغي فلسطين تماما عبر مفاوضات النصف في المئة، بينما هي تمد ذراعها الطويلة لتأسر الجزيرة والخليج عبر البوابة العريقة المفتوحة على مصراعيها للغزاة..
إنها فرصة إسرائيل التاريخية (؟) لتقدم نفسها بوصفها »أميركا الشرق الأوسط«،
وانها لقسمة ضيزى: فلواشنطن الدنيا كلها، ولتل أبيب ودائما تحت الرعاية الأميركية هذه المنطقة الصغيرة منه… »الشرق الأوسط«.
… وأرض إسرائيل التوراتية قابلة للتمدد دائما!
طلال سلمان

Exit mobile version