طلال سلمان

اسد بلير موقف مع مجاملة

لا تبدّل المجاملة في جوهر سياسات الدول.
وليست المجاملة هي ما دفع بطوني بلير لأن يسجل »السابقة«، فيكون أول رئيس لحكومة بريطانية يزور سوريا، بل هي »الحاجة« إلى موقف عربي »محايد«، إذا ما تعذر »التعاطف«، فضلاً عن الالتزام بموجبات »تحالف دولي« ليس للعرب مكان فيه، وبالتالي في الحرب الأميركية (البريطانية) ضد أفغانستان بذريعة أسامة بن لادن ومسؤوليته المفترضة عن تفجيرات 11 أيلول.
كذلك، فإن المجاملة لم تمنع الرئيس السوري بشار الأسد من إعادة التأكيد على نقاط الاختلاف الجوهري مع ضيفه ذرب اللسان حول ضرورة الإقرار بالحق المشروع والمطلق للشعوب المحتلة أرضها في المقاومة، مع التنويه بأن اعتبارها »إرهاباً« هو إحدى ذرى الإرهاب السياسي.
لا مجاملة: فما تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين في أرضهم، هو أعتى أنواع الإرهاب، ولا سيما أنه »إرهاب دولة«، كذلك فهو مدموغ بقدْر من التعصب المسنود إلى الخرافة التوراتية، وبالتمييز العنصري وبجرائم القتل الجماعي والاغتيال العلني والمعتمد كسياسة رسمية، والذي تنفذه الحوامات والدبابات (كما حصل في جريمتين جديدتين متعمدتين ضد مقاومين في الأرض الفلسطينية المحتلة، أمس).
لا مجاملة: فمقاومة الاحتلال الإسرائيلي حق مشروع وبالمطلق للفلسطينيين، ورجال المقاومة ومجاهدوها هم أبطال تحرير وليسوا إرهابيين، ومساعدتهم بأشكالها المختلفة من تأمين المأوى الآمن إلى توفير الإمكانات الضرورية للصمود والمواجهة واجب وطني وقومي.
ولقد كانت لفتة ذكية حين أشار الرئيس الأسد إلى شارل ديغول، بالتحديد، كرمز لمقاومة الاحتلال النازي لفرنسا، مع التنويه بأن الفرنسيين وسائر الأوروبيين بل وشعوب العالم، تعتبره »بطل تحرير« وليس إرهابياً…
ذلك أن هذا المقاوم الفرنسي قد لجأ إلى بريطانيا. ومن لندن بالذات وبرعاية رسمية من حكومتها، قاد حركة المقاومة حتى النصر على الاحتلال.
وحال ديغول تنطبق مع الفوارق طبعاً على المقاومين الفلسطينيين الذين يتخذون من دمشق مقراً وملاذاً ومنطلقاً للإسهام في جهد شعبهم لإنجاز مهمة التحرير الوطني.
هذا مع التذكير بأن ديغول حين لجأ إلى بريطانيا لم يكن أقوى أو أكثر تمثيلاً لشعبه »الأسير« من هؤلاء المجاهدين الفلسطينيين »المطرودين« من بلادهم، والممنوعين من العودة إليها.
لا مجاملة: فالحرب لا تكافح الإرهاب، وبالتالي فالموقف السوري صريح ومعلَن ضد الحرب وقتل الأبرياء في أفغانستان.
لا مجاملة: فسوريا غير معنية باتفاق تينيت لوقف إطلاق النار، ومقترحات ميتشل، بل هي تذكّر ضيفها بالمنسي من قرارات الشرعية الدولية، وبالمبتور من سياق مؤتمر مدريد الذي قُدِّم للعرب في لحظة ما بعد عاصفة الصحراء وكأنه جائزة الترضية والمدخل لاستعادتهم بعض حقوقهم في بعض أرضهم.
وبرغم ديماغوجية بلير، فإن إلحاحه على ضرورة وقف العنف كمدخل لا بد منه إلى المفاوضات، يتهاوى أمام الوقائع التي لا تنفع الكلمات المخادعة في طمسها… فاتفاق أوسلو الموقع قبل 8 سنوات، (وبغض النظر عن الرأي فيه) بات نسياً منسياً، فضلاً عما تبعه من اتفاقات تفصيلية (في قمم دولية!!) أو من مذكرات توضيحية ومن تفسيرات تعيد تفسير النصوص التي كل سطر منها يحتاج الى اتفاق خاص.
لقد انقضت ثماني سنوات طويلة من »التفاوض«، شبه العبثي أحياناً، على محاولة تطبيق »اتفاق إذعان« قبله الفلسطينيون مكرَهين، ومع ذلك لم يتوقف العنف الإسرائيلي مطلقاً… وقد سقط آلاف من الشهداء والجرحى، رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً وبيوتاً ومرافق، خلال هذه الفترة من الهدوء .
والمنطق الإسرائيلي، معززاً بالتأييد الأميركي البريطاني، يرمي الجميعَ في الحلقة المفرغة: فليوقف الفلسطينيون العنف أولاً، وبعد ذلك نفكر بالخطوة التالية…
أما العنف الإسرائيلي المتمادي والذي لم يتوقف يوماًو فمبرَّر دائماً ومغفورة خطاياه.
لا أحد يحاسب إسرائيل على عنفها الدموي المستمر، فإذا ما طفح الكيل بالفلسطيني فقاوم دفاعاً عن أسرته وبيته وحقه في الحياة فوق أرضه، اتُّهم بالإرهاب وتعطيل جهود السلام وعرقلة فرصة العودة إلى المفاوضات بسبب »ممارسته العنف«!
ومنذ 14 شهراً، تمارس إسرائيل القتل اليومي للفلسطينيين وتخرّب ممتلكاتهم وتحاصرهم بالجوع والخوف والمرض، وتجاهر العالم باعتمادها سياسة الاغتيال… فهل كان أقل من أن يضطر هذا الشعب المهدَّد في مصيره إلى تحرك سلمي اتخذ طابع الانتفاضة كرد على الاستفزاز وتحديه في مشاعره الوطنية والدينية (اجتياح شارون للحرم القدسي)؟!
ثم إن الحديث الأميركي البريطاني عن »فكرة« دولة للفلسطينيين في بطن إسرائيل، قد »طرأ« مؤخراً، وفي ظل الحشد الدولي لتحالف يخوض حرباً ملتبسة في بعض جوانبها، وقد زاد من الالتباس فيها الخطأُ الفاحش الذي ارتكبه جورج بوش بداية في حديثه عن »الصليبية«، ثم أضاف إليه برلوسكوني »درته« حول تخلف الإسلام وعجزه عن استيعاب الحضارة.
إن قدوم طوني بلير إلى سوريا حدث بارز.
لكن علينا ألا ننسى أن السبب في الزيارة يتصل بهذه الحرب الظالمة التي شكلت بريطانيا بلير »الطليعةَ« أو »الكشاف« فيها، فضلاً عن دور المروِّج والمبرِّر و»المحلل« والداعية الفصيح، أكثر مما يتصل بالتبشير بالدولة الفلسطينية أو بتصحيح العلاقة الشوهاء بين الغرب والإسلام، والغرب والعرب.
… وهي فرصة أحسن الإفادة منها الرئيس السوري بشار الأسد، موظِّفاً أقصى درجات المجاملة في توضيح الأهداف والسياسات والمواقف التي لا تتأثر بالمجاملات.

Exit mobile version